Thursday 2 August 2012

الإنتخابات الأميركية القادمة .. تكريس أم تغيير ..؟

 

usacrimesandelectionفي شهر تشرين الثاني / نوفمبر القادم ، أي بعد ثلاثة أشهر من الآن سوف تجري إنتخابات الرئاسة الأميركية .
باراك أوباما الرئيس الحالي عن الحزب الديموقراطي ، ومنافسه عن الحزب الجمهوري ميت رومني . عندما دخل أوباما البيت الأبيض في 2008 ، كان جورج واكر بوش ، أو ( دبليو ) بوش قد قضى ثمان سنوات رئيسا لأميركا من خلال فترتين رئاسيتين متتاليتين 2000 ـ 2008 ، فاز خلالهما على منافسَيه الديمقراطيين آل غور وجون كيري .
تلك الحقبة الزمنية كانت منعطفا كبيرا في السياسة الخارجية الأميركية حيث شهدت حدثين مهمين ، الأول هو تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وما أعقبها من ( ظهور ) الحرب على الإرهاب في العالم لاسيما في أفغانستان ، بل ووصل الأمر الى إتهام الحكم الوطني في العراق بالوقوف وراء تلك التفجيرات ..!! . الثاني هو إحتلال العراق بقوة عسكرية غاشمة وبمؤامرة إقليمية ساهمت فيها كل من إيران وقطر والسعودية والكويت .

هذان الحدثان قد تمّا خلال الفترة الرئاسية الأولى لجورج بوش 2000 ـ 2004 ، وكان من نتائجهما البدء برسم سياسة عالمية جديدة تتعلق بالإرهاب والإرهاب ( الإسلامي ) بالذات .. وكذلك البدء بإعادة رسم الخريطة السياسية إقليميا في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في المنطقة العربية . وفي النتيجتين كانت إيران المستفيد الأكبر من هذه السياسة الأميركية ، في حين بقيت على الصعيد الإعلامي العدو الأكبر لأميركا والغرب ..!!
لقد حصلت إيران جراء ذلك على الدعم السياسي والتقني واللوجستي من كل من روسيا والصين اللتين إستثمرتا ولأبعد مدى الثغرات الضعيفة في تلك السياسة وأصبحتا شوكتين في الخاصرة الأميركية .
كانت فترة الرئاسة الثانية لجورج بوش 2004 ـ 2008 مرحلة تكريس وتطبيق لنتائج الخطط التي إبتدأ تنفيذها سواء في العراق أو أفغانستان أو الخليج مضافا إليها صرعة الإرهاب العالمي والقاعدة ..!!
وجاء أوباما في 2008 بعد أن تم تثبيت أسس بناء تلك السياسة وتمهيد الأرضية للمرحلة التالية . ولو عدنا قليلا الى الوراء والى تسعينات القرن الماضي ، لوجدنا أن تلك الخطط كان قد تم التصريح بشإنها أو إن صح التعبير أنها كانت جزء من الأدبيات الإعلامية للسياسة العالمية بما عُرف عنه ( مشروع الشرق الأوسط الجديد ) لصاحبه ومتبنيه جوزيف بايدن .. وكان ذلك قبل سنوات من غزو العراق ووقوع أحداث 11 سبتمبر .. وصولا الى أحداث ( الربيع العربي ) .

ولعل من الأمور الملفتة للنظر والتي لم يتطرق الى تحليلها الكثيرين هي إبقاء إدارة أوباما الديموقراطية بداية على أساطين السياسة من الجمهوريين .. جوزيف بايدن نائبا للرئيس .. وروبرت غيتس وزيرا للدفاع .. والأخير كان يشغل ايضا حقيبة وزارة الدفاع في ظل رئاسة جورج بوش ..!!
فهل أن ذلك قد جاء من قبيل الصدف ..؟ أم هل أن حكومة أوباما هي حكومة إئتلافية ..؟ أم بسبب كونها حكومة تكريس للسياسة العالمية ، والصهيونية تحديدا ، والتي إبتدأ بتنفيذ خططها جورج دبليو بوش ..؟

أنا أقف مع الرأي الأخير .. ولنطلع على معطيات وتداعيات تلك السياسة في ظل حكومة أوباما :
ـ الموقف المائع والضعيف من برامج إيران النووية في وقت تتبنى روسيا دعمها تقنيا .
ـ الموقف الأكثر ميوعة من مسألة الحصار الإقتصادي على إيران !

ـ نفس الموقف فيما يتعلق بالمعارضة الإيرانية كمنظمة مجاهدي خلق وغيرها والتي يفترض أن تتبنى أميركا دعمها إذا كانت فعلا تريد تقويض النظام الإيراني . العكس هو الذي حدث من خلال إبقائها على قائمة الإرهاب وإغماض الأعين عما حدث ويحدث في معسكر أشرف والأماكن البديلة التي نُقل اليها سكان أشرف في داخل العراق المحتل أميركيا ..!!
ـ وأخيرا ، وقطعا ليس آخرا ، بدء أحداث ماسميت بالثورات العربية أو الربيع العربي في تونس وليبيا ومصر واليمن وانتهائها بتبديل أنظمة الحكم وشخوص الحاكمين . ثم إبقاء النار المدمرة مشتعلة في سوريا بمؤامرة فاضحة أطرافها الجامعة العربية ومجلس الأمن من جهة .. وإيران وروسيا والصين من جهة أخرى ..!!
والآن ، ومع قرب بدء الحملات الإنتخابية في أميركا .. بدأت أجهزة الإعلام المسيّرة والمسخرة هناك بالحديث عن ميت رومني المرشح الجمهوري ( الصلب ) وإحتمالات قيامه بضرب إيران عسكريا لو فاز بالرئاسة (!!) .. في حين نشطت الإستطلاعات الى جانب هذا المرشح وذاك .. وتلعب السذاجة السياسية دورها في ذلك لدى البعض من أن أوباما كان ضعيفا على مستوى السياسة العالمية وأن حظه في ولاية رئاسية ثانية أكثر ضعفا ..!!

أنا هنا ، ومن تحليلي المتواضع للأحداث والتجارب السابقة ، أرفض هذا الرأي الأخير .. وأعتقد أن أوباما سينال فترة رئاسية ثانية لكي يكتمل المخطط تماما كما حدث في ولاية بوش الثانية . ومرتكز تحليلي في كل ذلك يستند الى عدم وجود مايسمى تغيير في السياسة الخارجية الأميركية وفي ظل جميع الرئاسات الأميركية سواء من الحزب الديموقراطي أو الجمهوري ، إلا بالقدر الذي تسمح به الخطط السياسية الصهيونية التي يعمل قادتها مع الرئيس أو في الظل بعيدا عن المناصب السيادية .
مشروع الشرق الأوسط الجديد ، والذي كتبت عنه منذ أكثر من ست سنوات ، وكتب فيه الكثيرين ربما قبل ذلك وبعده .. ماضٍ في التنفيذ .. والخارطة السياسية الجديدة للمنطقة قد تم وضعها والمصادقة عليها . وأستطيع أن ألخص أحداث المرحلة القادمة بشكل عام من منظور ماذكرته في هذا المقال بعدة أمور ، لعل أبرزها :

ـ خلق أنظمة سياسية دينية تتولاها أحزاب الإسلام السياسي الشيعية و السنّية .. وكلا الطرفين يتعامل بالعلن أو بالخفاء مع منطلقات السياسة العالمية ، ويعلمون جيدا أنها هي من جلبتهم للحكم سواء عن طريق الإنقلابات أو سرقة الثورات الشعبية .
ـ سوف تجعل هذه الأنظمة المتأسلمة المنطقة العربية ، منطقة صراع طائفي ، بدءا بالكلمة والإعلام وانتهاءا بالبندقية والصراع المسلح .. وقد تم التمهيد والإعداد لذلك جيدا من خلال خلق ميليشيات مدربة ومسلحة لهذه الأحزاب تقف وراءها دول غنية بالمال والسلاح .
ـ هذه الصراعات ستكون محصلتها في مصلحة إسرائيل حيث ستؤدي الى حالتين رئيسيتين بشّرت بإحداهما السياسة العالمية على لسان بوش حين إعتبر الإسلام هو العدو المتبقي بعد أن تم القضاء على الشيوعية . وحمل مخطط بايدن الحالة الثانية في تمزيق وشرذمة الدول العربية الحالية الى دويلات تقوم على أسس عرقية وطائفية ودينية .. والسودان مثل ليس ببعيد .
ـ والحالة هذه فإن النظر الى عملية ضرب إيران ماهو إلا وهم كبير ، ولا أستبعد أن يُسمح لها بامتلاك القنبلة النووية ـ وقد سمحوا لباكستان إمتلاكها من قبل ـ مادام النظام الإيراني الحالي قد عقد التحالفات والإتفاقات ليس مع أميركا فقط بل حتى مع إسرائيل . ليس هذا فقط ، بل أنه قد قدّم
لهما العديد من المكاسب ، ولعل ذلك هو السر الذي يكمن وراء ميوعة موقف إسرائيل واميركا من إيران واكتفائهما فقط بحرب إعلامية تضليلية ضدها ..! ولعلي لاأكون مبالغا بالقول ، أن إيران لو امتلكت السلاح النووي فذلك كفيل بتركيع أصحاب منابع البترول العربية أكثر مما هم عليه الآن وذلك من قبل أميركا وحلفائها .
العرب كانوا ولازالوا يحسبون ألف حساب لقوة إسرائيل النووية .. ودويلات الأحزاب المتأسلمة ستحسب الحسابات نفسها في الحالة الإيرانية وذلك من شأنه إدامة حالة الصراع والتآكل داخل المنظومة الإسلامية والعربية لتجعل نهايات الخيوط كلها في الأصابع الإسرائيلية .

هذه النقاط الأربعة وربما غيرها أيضا ، تصب في تقديري الى جانب إبقاء أوباما رئيسا لتطبيقها أو لتحقيق معظمها قبل الإنتقال الى رئيس جديد يجد الأرضية أمامه ممهدة لإضفاء الشرعية الدولية والقانونية على الخارطة العربية الجديدة والتي كان رسمها وتنفيذها قد بدأ أصلا وللمرة الأولى في العصر الحديث عام 1917 من قبل الفرنسي فرنسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس وزيري خارجية البلدين حيث نقلت المنطقة العربية من بداوة القبائل الى الإنتدابات الى الحكومات الملكية والمشيخات في الجزيرة العربية والشرق العربي والشمال الأفريقي .. وما تلى كل ذلك من ضرب ووأد للحركات القومية والوطنية وأنظمة الحكم في كثير من هذه الدول لكي يصل الحال الى ماهو عليه الآن بعد قرابة مائة عام شهدت خلاله أميركا وبريطانيا والغرب بشكل عام حكم مختلف الأحزاب والرؤساء ، فضلا عن حربين عالميتين وحرب باردة إستمرت سبعون عاما ولا زالت ذيولها مستعرة ولم تتغير السياسة الدولية لأنها تعود أصلا الى مؤتمر بازل لحكماء صهيون في أواخر القرن التاسع عشر وبنصف قرن على الأقل قبل قيام إسرائيل .

الصفحة الجديدة من المؤامرة قد إبتدأت منذ سبعينات القرن الماضي حين أسقطت أميركا والغرب أو سمحا بسقوط نظام الشاه في إيران وقد كان من أكبر حلفائهما على الإطلاق .. وأمثلة من هذا النوع كثيرة أيضا .. والسؤال هو :
هل يعقل أن يكون كل ذلك غباء سياسي أم هو دهاء سياسي ..؟؟
أترك الإجابة على ذلك .. لأنها ستكون بينة وواضحة ليس قبل وقت بعيد .
lalhamdani@rocketmail.com
مدونة مقالات الكاتب
http://www.blogger.com/profile/18395497774883363689

 

No comments:

Post a Comment