Friday 18 May 2012

الغضب الشعبي من العاطفة الى القوة الضاربة 1



في حياة الشعوب ومنذ أن أصبحت مجتمعات ودول ، تجارب أملتها عليها الظروف التي هي غالباً ماتكون من إملاءات الطبيعة البشرية التي خُلقت ظلومة ، أنانية ، محبة للسيطرة فتولدت نتيجة ذلك نظريات بقيت متداولة على طول التاريخ الإنساني مثل ، البقاء للأقوى ، أوالبقاء للأصلح . وقد إختلفت معاني الأقوى والأصلح مع تطور المجتمعات البشرية فمن القوة الجسدية الى الرمح والسيف والبارود وما صاحب ذلك من تطور لأسلحة الفتك بيد الإنسان ضد أخيه الإنسان .. فالأقوى من يمتلك القوة ، والأصلح ايضا هو من يمتلكها ، وإن إختلفت المعايير هنا ، فالقوى العالمية الكبرى التي سيطرت ولازالت تريد السيطرة على العالم تعتقد أنها الأصلح لقيادة البشر وفق منظورها ومصالحها ماداموا يعيشون حالة تخلف أو مااصطلحوا عليه " العالم الثالث" متناسين أن ذلك كان نتاجاً لحالة تكريس التخلف من قبلهم في البلدان التي هيمنوا عليها بالقوة ، وهنا نرجع في حالة مايسمى العالم المتقدم أو الجنس المتقدم الى عقلية إنسان فجر التاريخ المبنية على القوة منذ الأمبراطورية الرومانية وما سبقها وحتى ذبح الهنود الحمر في اميركا .. أما الشعوب حتى تلك المغلوبة على أمرها ، فترى أنها هي الأصلح وأن البقاء يجب أن يكون لها ومن أجل ذلك تلجأ الى السلاح السري الكامن فيها والذي هو القوة لإستعادة حريتها . إنها معركة مستمرة منذ عشرات الآلاف من السنين وستبقى .
إذاً ، هي القوة ، ولاشيئ غير ذلك نكاد نراه يتحكم اليوم في العالم وبني الإنسان .

لم تخرج الأديان السماوية عن هذه الدائرة الإنسانية إلا بطرح فكرة العدالة والمساواة والإرشاد الى الطريق الإنساني من خلال الفطرة الإنسانية التي خلق البشر عليها وإحيائها في داخلهم وتثويرها لديهم .. ولكن ، حتى الأديان السماوية بكل سماحاتها ومُثلها ، لم تتخلى عن فكرة إستخدام القوة من أجل إنتزاع الحقوق وتقويم المفسدين إذا ماوصل الإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة الى طريق مسدود . ألم يلجأ موسى عليه الصلاة والسلام الى القول اللين والمحاججة مع فرعون مصر إخراج بني إسرائيل وإنقاذهم من الظلم الي كانوا يعيشونه وبأمر من الله ، ثم لجأ الى التحدي وأعلنها حربا بأن أخرج الإسرائيليون وعبر بهم البحر والى آخر القصة المعروفة .. ألم يحاور المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام اليهود والرومان بالحسنى والمحبة وبالآيات البينات ، ولما عجز أعلنها حربا عليهم ومواجهة معهم وتعاطيهم للربا في اسواق القدس فقام اليهود بالتآمر عليه وتسليمه الى الرومان بقصد قتله .. ثم ألم يفعل محمد عليه الصلاة والسلام الشيئ نفسه بأمر ربه وجادلهم بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولما حاربوه وأخرجوه وصحبه من ديارهم ، لم يجد ، وبأمر ربه إلا مجابهة القوة بالقوة فانتصر عليهم بإذن الله .؟

لو أخذنا جميع التجارب عبر التاريخ الإنساني وبكافة معطياتها ومحصلاتها بالإستناد الى ماتقدم لوجدناها لاتخرج عن مقولة واحدة وهي : أن ماأُخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة ، وما سوى ذلك لايخرج عن المساومات التي لاتعني في نهايتها إلا تقديم التنازلات وإقتطاع أجزاء من الحقوق وثلم الحرية الإنسانية بمفهومها السماوي والدنيوي وهو ماتم رفضه من الأنبياء حملة رسالات السماء ومبلّغيها الى البشر وصولا كذلك الى الفلاسفة والمفكرين والقادة الكبار .
ولكن علينا في تجربتنا العراقية المرّة ، أن نفهم أولاً ماهي القوة وكيف يمكن توظيفها لخدمة الهدف في حالة إستخدامها ، وهل هي عملية استراتيجية فقط ، أم أنها تخضع وحسب مقتضيات المرحلة للتكتيك أيضا عندما يتطلب ذلك وذلك من أجل أن لانعيد أخطاء الماضي ولا نبقى من المحسوبين على المدرسة التقليدية القديمة ومحبوسين فيها في عالم قد تغير كثيرا ..!

في العراق اليوم نمرّ بتجربة تكاد تكون فريدة من نوعها .. إحتلال أجنبي بالقوة للعراق .. وإحتلال وتدخل إقليمي بالقوة والمراوغة بشؤون العراق .. وإحتلال عراقي من الداخل لمقدرات العراقيين بهدي من المحتل الأجنبي والطامع الإقليمي . من أجل ذلك لابد من وقفة جدية ومراجعة لغرض تقييم ذلك وتقويمه ، لأنه في النهاية سوف لن يصح إلا الصحيح ولن يمكث في الأرض إلا ماينفع الناس وماعداه فهو كزَبد البحر سيذهب جفاء . ولكن ذلك لن يأتي على طبق من ذهب بل أن مفتاحه السحري تعرّفه كلمة واحدة فقط هي " الإخلاص " .

هذه التجربة العراقية التي تكاد تدخل الربع الأخير لتكمل عامها الثامن ، بدأت تأخذ منحىً جديدا ، ربما على عكس مايتصور الكثيرين ولست بلائمهم على ذلك ونحن نعيش حالة قصوى من الإحباط واليأس .

مايدفعني الى إستنباط ذلك هما الإحباط واليأس نفسيهما ، لأنهما سيتمخضان عن حالة جديدة هي حالة " نفاد الصبر " وهو مابدأ يطغى على حركة الشارع العراقي .
الحالة هذه بدأنا نشاهدها وبشكل يومي مع تصاعد حملات إرهاب الدولة الذي يقوده نوري المالكي وعصاباته من المجرمين والقتلة والذين أطلق سراح المئات منهم حتى أولئك المحكومون بالإعدام ، وأطلق أيديهم في شوارع بغداد وغيرها من المحافظات بحماية أقرانهم الذين يرتدون الزي الرسمي لقوات الجيش والأمن وبالتنسيق معهم في واقع الأمر ظناً منه أن حالة الرعب والفوضى سوف تركع الشارع العراقي بعد أن عجزت عن ذلك حالات فقدان الخدمات والتجويع طوال سنوات فأدخل نفسه في دائرة مغلقة أو تم إدخاله اليها وستنقلب الأمور ضده حتى لو تم فرضه رئيساً للحكومة لمرة ثانية ..!

حالة نفاد الصبر والثورة الداخلية الطاغية في النفس العراقية حالياً هي الحالة الإنسانية العفوية  أو الحالة العاطفية التي نراها تتفجر وتخمد ولكنها لن تنتهي لأن الحقيقة هي أن النار لاتزال تحت الرماد .. على عكس مايتصور البعض وما عبّر عنه (فيلسوف) حزب الدعوة ودولة قانون المالكي حسن السنيد بقوله أن الناس سرعان ماتنسى .
حالة الغضب الشعبي العاطفية هذه هي مايجب أن يستثمره وبشكل صحيح الوطنيين والمناضلين والمقاومين لأنه هو سلاحهم الأقوى وقوتهم الضاربة .

لقد مضت قرابة الثمان سنوات وكل هؤلاء يعملون لغرض إنهاء الإحتلال وإفشال المخطط ومحاسبة كافة المجرمين بحق الشعب العراقي .. ولكن دعونا نتوقف في عملية مراجعة صحيحة لكل ماقدمناه ، أي بكلمة واضحة ( عملية نقد ذاتي ) .. وهو ماأشرت اليه قبل عدة أسطر مؤمناً بذلك بكلمة : " الإخلاص " .

منظمات وجمعيات وجماعات وتجمعات وتكتلات وأحزاب وتنظيمات مسلحة .. أقلام تكتب وإجتماعات تعقد وندوات تقام وبيانات تصدر .. شجب واستنكارات .. تظاهرات ولافتات .. والى غير ذلك . هذا هو الموقف منذ ثمان سنوات .!
أنا لاأنتقص هنا من كل ذلك كما قد يفهم البعض .. فكل ذلك كان ولايزال ضرورة تقتضيه العملية النضالية ، ويجب أن لايتوقف ..
ولكن ، ماوصلنا اليه خلال هذه المرحلة يجب أن يجعلنا نفكر جدياً بإعادة تحديث برامجنا وتوقيتها بالشكل الصحيح من خلال توظيف طاقاتنا واستثمار حالة الفوضى وإرهاب الدولة والصراع بين السياسيين العملاء وغليان الشارع العراقي لنجعله يصب في صالح عملية تحرير البلد والمواطن .

هنا قد يتبادر الى ذهن البعض .. وماذا عن أميركا وجيش الإحتلال ..؟
أقول ، أن الحالة الأميركية في العراق حالة مزرية في الوقت الحاضر في ظل إدارة باراك أوباما الذي يركز في استراتيجيته على أفغانستان من جهة ، ويعاني من مشاكل داخلية صعبة من جهة ثانية ، آخرها خسارة حزبه في الإنتخابات النصفية لمجلسي الشيوخ والنواب إضافة الى الأزمة الإقتصادية التي تعصف بأميركا والغرب بشكل عام . ولا أعتقد أن القوى الوطنية والمقاتلة منها تعجز لو أرادت عن مد نوع من الجسور مع الأميركان في الوقت الحاضروهو الوقت المناسب  و ( الحرب خدعة ) كما يقال .
وإذا ما أخذت أميركا ذلك بنظر الإعتبار، ، وهو بمثابة طوق نجاة لها وحفظ لماء الوجه ، وهي بحاجة اليه ، وبتأثير من بعض الدول العربية والصديقة التي تربطها بأميركا مصالح مشتركة ويمكنها أن تلعب دورها بشكل جيد ، وقد بدأت بوادر ذلك فعلاً في الأفق ، نكون قد حققنا خطوة كبيرة الى الأمام وأخذنا بزمام المبادرة وهو المهم سياسياً .
دعونا نخرج المارد من عنق الزجاجة بدلا من التمسك بالأخطاء السابقة تاركين الساحة لأعدائنا لإستثمارها كيفما يشاءون !

هذا الأمر وغيره .. يتطلب قيام مجلس سياسي للمقاومة المسلحة والقوى الوطنية المساندة لها . وهنا تتمثل عملية مراجعة الذات والنقد الذاتي إذا ماأريد لهذا المجلس أن ينجح في مهامه الكبيرة والتي ستكون بذراعين مهمين : الذراع الداخلي ومهمته حشد وتثوير الشارع العراقي ، والذراع الخارجي في التعامل السياسي عالميا وإقليميا .
وقبل التطرق الى هذين الهدفين أو الذراعين المهمين ، اود أن أشير الى موضوع المراجعة الذاتية لمكونات المجلس أو حكومة الشعب العراقي المقاومة للإحتلال وأعوانه .
إنه الموضوع السهل الممتنع كما يبدو لحد الآن .

لذلك علينا أن نواجه ذلك بكل صراحة .. ونفتح قلوبنا ونتكلم بعيدا عن المجاملات لهذا الطرف أو ذاك أوالمساومات مع هذا الطرف أو ذاك .. 
لقد آن الأوان لذلك ولن تفيدنا سياسة دفن الرؤوس بالرمال ! ولم تفدنا يوماً ..!

هذا ماسنتحدث عنه في القسم الثاني إن شاء الله .

5/11/10



   

    

No comments:

Post a Comment