Thursday 17 May 2012

هل أن المقاومة العراقية هي مقاومة سنيّة أم أنها مقاومة وطنيةعراقية..؟



كنت كغيري من ملايين العراقيين أتابع من على شاشات التلفزة أخبار الثلاثين من حزيران . اليوم الذي أعلن عنه أنه يوم إنسحاب القوات العسكرية المقاتلة الأمريكية من داخل المدن العراقية الى قواعدها العسكرية خارج هذه المدن .
اليوم الذي أطلق عليه رئيس السلطة العراقية نوري المالكي ( يوم السيادة والتحرير ) ..!!
اليوم الذي تسابق الملأ فيه ليدلي كلٌ بدلوه بهذه السابقة الفريدة في تاريخ الأمم كما عبّر أحدهم ويوم الشموخ كما قال آخر .. البعض ـ ولايهمني ذكر أسمائهم لأنهم ليسوا أكثر من نكرات ـ ولأننا شاهدناهم على شاشات الفضائيات ونعرفهم جيداً كما يُعرفُ المجرمون بسيماهم فيؤخذُ بالنواصي والأقدام  .. وقف يصرّح من مكتبه وورائه علم عراق الإحتلال ، والآخر وقف في أحد شوارع بغداد أمام الميكروفونات ليلقي  بتصريحاته..
رئيس خطة فرض القانون ، والناطق المدني بإسم خطة فرض القانون : ( العميد ) قاسم عطا ، وتحسين الشيخلي . التابعَين مباشرةً لرئيس السلطة نوري المالكي .
ثم ليُعلَن يوم الثلاثين من حزيران .. عطلة رسمية للبلاد والعباد .

رأيت كل ذلك ، وتذكرت تلك السابقة الفريدة الأخرى التي كلمونا عنها ، وأطلقوا على اليوم  الذي سقط فيه الوطن تحت الإحتلال العسكري الأجنبي  بيوم التحرير !
لعَمري أنها فعلاً سابقة وسوابق فريدة في تاريخ الأمم لايعرفها ولايجيد التعبير عنها إلا عميل رخيص قد رضع الخيانة يتوارى أمامه خونة شعوبهم وأممهم أمثال أبي رغال ، وابن العلقمي .
الإحتلال أصبح تحريرا .. وانسحاب المحتل لبضع كيلومترات ليختبئ داخل حصونه المشيدة أصبح سيادة وتحرير وشموخ ..!!

سؤال بقي يدور في ذهني ، ولاأشك أن الملايين مثلي تساءلوا أيضاً : لماذا ياترى إنسحب الأمريكان من المدن .. وهل هي فعلاً خطوة لإنسحاب كامل من العراق بحلول 2011 ..؟
فدعونا نجمع أفكارنا معاً ، ونحلل المواقف ، ونحاول أن نجد الأجوبة عليها ..

أولاً ، إن قرار الإنسحاب تم إشعار حكومة الإحتلال به قبل أن يأتي باراك أوباما الى البيت الأبيض ، أي تم في عهد مجرم إحتلال العراق جورج بوش .. فإذن لاعلاقة بحصول تغيير في الإدارة الأمريكية فيما يخص الإنسحاب ، او تغيير في السياسة الأمريكية فيما يخص إحتلال العراق .
ثانياً ، إن الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن خلال إدارتها في العراق ، قامت بصرف بلايين الدولارات على بناء قواعد عسكرية عديدة لها في شمال وشرق وغرب وجنوب العراق . وبالمناسبة فهذه البلايين من الدولارات سيدفعها العراق . وبناء قواعد ومطارات عسكرية  على هذه الشاكلة تعني ببساطة  أنها لمجرد البقاء لأشهر قادمة فقط .
عندما دخلت بريطانيا الى العراق محتلة عام 1918 ، وقامت ببناء قواعد عسكرية ومطارات في الشعيبة والحبانية .. بقيت تلك القواعد والطائرات مدة أربعين عاماً قبل إزالتها بعد سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية العراقية في 14 تموزعام 1958 .
ثالثاً ، إستحوذت شركات مايسمى إعادة إعمار العراق الأمريكية ، وخاصة شركة ( هيلبيرتون ) التي يرأس مجلس إدارتها نائب الرئيس الأمريكي ( دك تشيني ) على نسبة 85 % من المقاولات وقد لايعلم الكثيرون أن المدة الزمنية لمعظم مقاولاتها وعقودها تمتد الى عام 2040 .. أي بعد 31 عاماً من الآن .! وقد لايعلم الكثيرون ، أن الإتفاق العراقي ـ الأمريكي لإعادة الإعمار يقضي بأن يدفع العراق من نفطه مبلغ (70 دولاراً ) مقابل كل (دولار واحد ) يصرفه الأمريكان على إعمار ماتم تخريبه على أيديهم !!
والسلام على عائدات نفط العراق ورفاهية شعب العراق !!
رابعاً ، بنظرة سريعة الى ماتقدم ، ودراسة الوجود العسكري الأمريكي في الدول التي إحتلتها سابقاً ، وعلى سبيل المثال المانيا واليابان ، نرى أن قواعدهم العسكرية وجنودهم لازالت على أراضي هذين البلدين منذ عام 1945 ، أي عام إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، أي منذ 64 عاماً ! مع العلم أن هذان البلدان هما من دول قمة الثمان ومن الدول الصناعية والدول المتقدمة الكبرى وكذلك دول حليفة كلياً للولايات المتحدة الأمريكية ..!
خامساً ، إن الوجود العسكري الأمريكي في الدول الحليفة لأميركا نتيجة إتفاقيات ومعاهدات بينهما ، اي الدول التي لم تحتلها أميركا عسكريا بسبب الحرب ، يرجع الى عقود طويلة من الزمن ، بعضها يرجع الى قيام تلك الدول واستقلالها مثل بعض الدول الإقليمية في المنطقة ، ولاتزال تجدد ونافذة المفعول ، ونشك حتى في إمكانية إلغائها من قبل الدولة المتحالفة مع اميركا ومن طرف واحد حتى لو رغبت في ذلك !!

بعد كل ذلك من الحقائق الدامغة التي لاجدال في صحتها وواقعيتها.. فهل يمكن لعاقل أن يقول ، أن أميركا ستترك العراق بعد عام ونصف أو عامين من الآن ..؟ ولماذا تفعل ذلك ..؟
إنه منطق الضحك على الذقون الخائبة ، وذر الرماد في العيون التي عميت قبل أن تعمى قلوب أصحابها التي في الصدور .

الحقيقة الناصعة والدامغة ، أن إدارة بوش ثم أوباما قررتا الفرار من المدن العراقية لسبب جوهري على الأرض .. ذلك هو وجود المقاومة المسلحة العراقية وآلاف القتلى من جنود العدو على مدى ست سنوات ، وترليونات الدولارات التي نزفتها الخزينة الأمريكية وبفعل المقاومة أيضاً رغم مكابرة إدارة البيت الأبيض ورغم تزييف الإعلام والتعتيم على الحقائق .
وإلا فماذا يقصد باراك أوباما من قوله :
( أن الإنسحاب " مهم " ولكن تنتظرنا " أياماً صعبة " !!)
وماذل يريد قائد القوات الأمريكية في الموصل أن يقول عندما صرح :
( أن قواتنا ستبقى في الموصل ليس للقتال ولكن لتقديم الخدمات  !! )

المقاومة العراقية المسلحة ، ليست كما قد يظن البعض متأثراً بالإعلام المضلِل ، مجرد فصائل مبعثرة وإمكانيات محدودة وعمليات قتالية قليلة وغير مؤثرة ، وهم بذلك قد نسوا أو تناسوا أن المقاومة العراقية إعتمدت على إمكاناتها الذاتية دون السقوط بأحضان أي نظام في المنطقة يتولى تمويلها أو تسويقها إعلامياً .. وكافة الحقائق والثوابت تؤيد ذلك ولم يتمكن أحد أن يثبت العكس ، ونحن هنا نتكلم عن المقاومة الحقيقية التي وُلِدت من رحم الشعب العراقي  .
المقاومة العراقية المسلحة .. دفعت ثمناً باهضاً في العمليات العسكرية ضدها في الفلوجة .. وقدمت خيرة مقاتليها من أجل إفشال الهجوم الشرس ضدها بعد أن تم جرها الى المعركة ، وقبلت بالتحدي من أجل الدفاع عن المدنيين والأبرياء في  الفلوجة .. ولكنها بعد تلك التجربة التي أكسبتها الخبرة وعلمتها الدروس ، إعتمدت تكتيكات وخطط جديدة ، معتمدة على مقاتلين محترفين من خيرة ضباط جيش العراق الشرعي ومقاتليه وكذلك القيادات العسكرية والسياسية التي تعمل بهدوء لانلمس آثاره نحن بشكل مباشر وسريع .. ولكن جيش العدوان الأمريكي يعلم علم اليقين ماذا يواجه يومياً وخصوصاً داخل المدن والقصبات العراقية ، ويعلم  أن ماكان يخفيه عن شعب العراق والعالم بدأ يتسرب اليهم .. وأن إستمرار بقائه داخل المدن يعني إنتحاراً له على أسوارها وداخل شوارعها وأزقتها وعلى الأراضي المحيطة بها .. كما لايجهل أيضاً أن مايسمى الجيش والشرطة العراقية الهامشية والشكلية التي تخضع للميليشيات الحزبية سوف لن تستطيع مواجهة المقاومة التي عجز عن مواجهتها بنفسه بكل مايملكه من تسليح وتدريب وعدة وعدد .. ولذلك يصرح مسؤولي السلطة الحاكمة بملئ أفواههم وبدون خجل  أن الإتفاق قد تم مع القوات الأمريكية لطلب مساعدتهم عند الحاجة اليها ، كما يقول وزير الدفاع العراقي أن عودة القوات الأمريكية الى داخل المدن منوطة بطلب من الحكومة العراقية إذا ماإقتضت الضرورة ذلك  .
بكلمة أوضح ستبقى الحكومة الأسيرة في المنطقة الخضراء أسيرة القرار الأمريكي ليس فقط سياسياً بل عسكرياً أيضاً .

لقد لجأت حكومات الإحتلال ومنذ أول إطلاقة أطلقتها المقاومة العراقية ، الى تكتيك في الصياغة اللغوية للعبارات التي تطلقها بما أرادت أن يُفهَم منها ، أن المقاومة العراقية هي مقاومة تنحصر في اهل السنّة العرب من العراقيين ، وانها عبارة عن مجموعات إسلامية متطرفة موسومة بالإرهاب ، ومقاتلين من تنظيم القاعدة ، ومن أعضاء حزب البعث !!
لقد كان ذلك الإعلام موجّهاً توجيهاً ذكياً من قبل المسيرين الحقيقيين للسياسة في العراق ، وقد حاولتْ من خلاله ربط كل عملية ضدهم على أنها صادرة عن إرهابيين وعصابات تريد قتل الشيعة على إعتبار أن طابع النظام الحاكم في بغداد يمثل الشيعة ، وما أولئك الذين يقاتلونهم إلا بقايا حلفاء النظام السابق من السنّة ، أو أولئك القادمين من وراء الحدود العراقية من ( أعداء ) الشيعة ..!!
كان الهدف من ذلك هو زرع الفتنة الطائفية وتعميقها وتمزيق وحدة الشعب العراقي التاريخية .
وكذلك الإيحاء بأن الشيعة العرب في العراق يقفون مع حكومة بغداد من هذا المنظور وبذلك يسهل تضليلهم واستخدامهم خصوصاً من قبل إيران في مخططاتها الطائفية التوسعية في العراق
وهذا لم يحدث بالشكل الذي أُريد له أن يحدث أو يعطي النتائج المتوقعة منه ، فقد ظهرت في جنوب العراق مقاومة شيعية مسلحة تقف ضد الإحتلال والنفوذ الإيراني ، وظهر منظّرين منصفين لهؤلاء من بعض المراجع الدينية الشيعية العربية الذين يرفضون الإحتلال لبلدهم ، وهم وكما عُرفَ عنهم من قادة الوطنية العراقية ، تماماً كما يشهد التاريخ لأسلافهم من رجال دين ورؤساء عشائر عربية شيعية حملوا لواء ثورة العشرين ضد الإحتلال البريطاني ملتحمين مع العشائر السنية من زوبع وشمر وسط وغرب العراق .
ثم عندما توحد قبل أسابيع 22 فصيلاً قتالياً من فصائل المقاومة ، ثم إتفقوا على تسمية الشيخ حارث الضاري الذي يقيم في منفاه في الأردن كمتحدث سياسي بإسمهم ، حاول أعوان التطبيل والتزمير الإعلامي الطائفي الفارسي ، اللعب بهذه الورقة من جديد سيما وأن إنسحاب القوات الأمريكية من المدن كان وشيكاً ، فقاموا بحشد الطاقات لإظهار أن المقاومة في العراق هي من مجموعات سنية ومتطرفة أيضاً ، وأن العملية موجهة ضد الحكومة ( الشيعية ) في بغداد ، وتم تصعيد الحملة الإعلامية ضد الشيخ ضاري شخصياً ، وكل ذلك من أجل عملية تضليل جديدة موجهة ضد الشيعة العرب في العراق .. وهذه الأخرى أيضاً لم تؤتِ ثمارها كما أرادوا لها ..!
لقد أتى جواب المقاومة العراقية  سريعاً في سياق التعليق على مايسمى الإنسحاب الأمريكي من المدن العراقية ، فأعلنت أن رصاص المقاومة لم ولن يوجه الى عراقي ولاحتى ضد قوات الصحوة الذين ضللتهم القوات الأمريكية وأستخدمتهم كمتاريس لها وقد بدأوا هم أنفسهم يدركون أبعاد اللعبة والفخ الذي وضعوا فيه . جاء هذا الجواب من قيادات المقاومة ، في وقت إستمرت بعض المراجع الدينية الشيعية الوطنية بالقيام بواجبها الديني والأخلاقي والوطني في محاربة الإحتلال وأعوانه ، واستمرت فصائل المقاومة العربية الشيعية بتوجيه ضرباتها من أجل تحرير الوطن .
وحتى في المنطقة الكردية من شمال العراق ، حيث تخضع للديكتاتورية العشائرية والحزبية في إدارة شؤونها ، فإن أصوات أحزاب سياسية كردية وشخصيات وطنية كردية  بقيت تؤدي دورها الوطني في الدعوة الى وحدة الوطن العراقي والتخلص من شوفينية الإنفصال التي يقودها الحزبان العميلان في ظل التواجد الإسرائيلي هناك .

إن مخططات بيع العراق بشيك على بياض الى أميركا وإسرائيل وإيران ، قد بدأت تتآكل وتتساقط  على الرغم من خطورة هذه المخططات لسبب بسيط ، ذلك هو إعتمادها الغبي على الطائفية والعرقية .. فشل هذا المخطط منذ سنوات عندما حاولوا إشعال حرب أهلية تصوروا أنها ممكنة بين الشيعة والسنّة . وفشل عندما وجهوا تضليلهم الإعلامي صوب المقاومة على أنها مقاومة سنية ، تماماً كما فشل توجيه بنادقهم وأسلحتهم الفتاكة صوبها من قبل .

المقاومة العراقية ، مقاومة ضد المحتل وأعوانه وبكافة أبعادها وأطيافها إسلامية كانت أو قومية أو وطنية .. لأنها قبل كل شيئ عراقية .. وهذه الحقيقة التي كان ينكرها المحتل وأعوانه ، قد بدأوا الآن بإعادة حساباتهم بشأنها .

أما الزَبَدُ فيذهَبُ جُفاءاً وأما ماينفعُ الناسَ فيمْكُثُ في الأرض .
02/07/09


No comments:

Post a Comment