Friday 18 May 2012

القيادات النائمة الحلقة الثانية




مع إعتماد المصطلح الإداري ( حلقة تبديل الوجوه ) سياسياً ، بدأت تظهر نتائج ذلك من خلال تغيير قادة ورؤساء في دول مختلفة في العالم الثالث حينما تقتضي الضرورة ذلك في محاولات تكمن وراءها في حقيقة الأمر عوامل عديدة منها المنحى الوطني الذي سلكه بعض القادة مما أعتبر جرس إنذار للإمبريالية العالمية بثوبها الجديد إستدعى معه التعجيل بإيجاد البديل الأكثر طاعة والأقل مشاكسة . ومنها ماكان على شكل حقن مخدرة للشعوب التي كانت قد أظهرت بوادر إنضوائها تحت وتعاطفها مع أفكار وطنية أو قومية أو دينية حملتها اليها أحزاب وحركات بدأت تنشط داخل تلك المجتمعات ، وهو أيضاً جرس إنذار مبكر يستدعي إجراء التغيير بالإتيان بوجه جديد يتوسم منه الداخل الوطني الوقوف الى جانب الغليان الشعبي والإيحاء لهم بتعاطفه مع تحقيق أهداف أو أفكار تلك الحركات والأحزاب المنبثقة من الواقع المتخلف والذي يتطلب الإصلاحات وتحقيق التقدم . ومنها أيضاً تغيير النظام ككل لكي يتولى الحاكم الجديد تحقيق الصفحة القادمة في مخططات موضوعة مسبقاً .. وهكذا .

رافق كل ذلك ، وخلال السنوات المبكرة ، عمليات إدخال تلك الأنظمة في تحالفات مع الغرب وعلى شكل معاهدات طويلة الأمد وتحت تسميات مختلفة . في وقت لم تكن سياسة إستخدام القوة العسكرية والإحتلال القسري للدول قد ظهرت بعد ، والعالم بمجمله كان لايزال يعيش معاناة حرب عالمية طاحنة إستمرت ست سنوات ، والأهم من ذلك ، أن الدول الإمبريالية أو الدول الكبرى ، كانت بدورها تعاني من آثار تلك الحرب وتحتاج الى وقت لتستعيد أنفاسها . فلم يكن " ونستون تشرتشل " وزير المستعمرات البريطاني ثم رئيس وزرائها خلال الحرب العالمية بالمغفل عندما صرح : أن الحروب القادمة ستكون خارج أوربا !! . ولمن لايعلم تاريخ الحرب الكونية الثانية ، فإن تشرتشل هذا ، هو من جَرّ أميركا الى دخول الحرب بخدعة ماكرة دفع ثمنها العشرات من البحارة الهولنديون وهي الدولة الأوربية التي كانت تقف الى جانب الحلفاء ضد ألمانيا النازية . فقد إستلمت الباخرة الهولندية إشارات ومعلومات إستخباراتية تفيد أن اليابان حليفة المانيا تستعد للقيام بهجوم جوي إنتحاري وكاسح على ميناء " بيرل هاربر " الأمريكي .. وتم إيصال هذا التحذير الى تشرتشل والذي يفترض أن يقوم بإبلاغ الولايات المتحدة به فوراَ ، وكانت أميركا في تلك الفترة غير مشاركة في الحرب ، ولكنه بدلاً من ذلك أمر بقصف الباخرة الهولندية وإغراقها في مياه المحيط الأطلسي .. وفعلاً تم تنفيذ الضربة اليابانية الجوية على ميناء بيرل هاربر وتدميره بالكامل مع السفن الحربية التي كانت راسية في حوضه ، الأمر الذي دفع روزفلت الرئيس الأمريكي الى إعلان الحرب على اليابان ودول المحور إي المانيا وإيطاليا ، ودخلت أميركا الحرب العالمية الثانية ، وكان لدخولها التأثير الإيجابي والداعم لموقف الحلفاء بزعامة بريطانيا ، وهو ماكان يسعى اليه تشرتشل ..!!

عقد المعاهدات وخصوصاً الدفاعية منها مع دول العالم الثالث ذات الثروات النفطية الهائلة أو المواقع الجغرافية الإستراتيجية للغرب ، كانت من أولويات السياسة العالمية في تلك الفترة ، إضافة الى تنصيب الحكام الموالين لها .
العراق تم إقتطاع الكويت وعربستان منه بعد الحرب العالمية الأولى بموجب معاهدة  " سايكس ـ بيكو " ، وجعل الأولى دولة مستقلة ، وإلحاق الثانية بإيران ، وكلاهما إمتداد جغرافي وديموغرافي لجنوب العراق وجزء من الحوض النفط الهائل والذي أصبح مقسمأ بين ثلاث دول . ومع أن هذه الدول الثلاث كانت تحت الهيمنة الإستعمارية البريطانية ، إلا أن ذلك كان يمثل تخطيطاً مبكراً لأي إحتمالات مستقبلية قد تحدث وتؤثر في إمدادات النفط في أي من هذه الدول .. مما ينطبق عليه المثل الإنكليزي "" لاتضع كل البيض في سلة واحدة " ! وفعلاً كان النفط العراقي والكويتي ينساب بسهولة عندما أمم مصدق النفط الإيراني وشق عصا الطاعة على شاه إيران .. وكان النفط الإيراني والكويتي ينساب بسهولة أيضاً الى الشركات النفطية الإحتكارية عندما أقدم النظام الوطني في العراق على تأميم نفطه عام 1972 .. وبقيت الكويت الطفل المدلل للغرب طوال هذه العقود الزمنية .. ولأن الشيئ بالشيئ يذكر ، فلا أزال أستحضر بذاكرتي حادثة مهمة ، ولاأدري إن كانت محض صدفة أم غير ذلك ، ففي عام 1961 ، كان موعد إنتهاء المعاهدة البريطانية ـ الكويتية ( الدفاعية ) . في تلك السنة حدثت الأزمة بين رئيس وزراء العراق عبد الكريم قاسم مع الحكومة الكويتية ، وحشد الأخير جيوشه قرب الحدود مع الكويت مهدداً بإكتساحها .. فكان أن تم إبرام معاهدة كويتية جديدة دفاعية طويلة الأمد مع بريطانيا .. وانتهت الأزمة بعد ذلك بين الكويت والعراق ( سلمياً ) ..!!
ثم لاننسى معاهدة " الحلف المركزي " أو " حلف بغداد " بين العراق وبريطانيا في العهد الملكي والتي ضمت أيضاً كل من تركيا وباكستان .. وكانت قد سبقتها معاهدة " جبر ـ بيفن " أو معاهدة " بورتسموث " بين البلدين .. ومعاهدات مماثلة جمعت بريطانيا مع مصر في عهدها الملكي ، وكذا الحال مع ليبيا .. ومعاهدات أخرى بين فرنسا مع سوريا والجزائر وتونس .. ومعاهدات أخرى كثيرة بين دول الخليج والسعودية وبريطانيا .. وكلها في تلك الحقبة الزمنية .

إنتهت أو تراجعت كثيراً " موضة " المعاهدات والأحلاف .. وكذا الحال مع موجات الإنقلابات العسكرية والثورات التي عمت الوطن العربي حتى العقد السابع من القرن الماضي .. ولكن الخارطة السياسية كانت قد تغيرت كثيراً بعد عام النكسة في 1967 .. ففي حين بقيت بعض الأنظمة الوطنية وهي قليلة جداً تدافع وحدها في الميدان .. كانت أغلبية الأنظمة الأخرى قد شملها التمزق الجغرافي ، والإحباط الشعبي ، وتمرير الخطط السياسية الجديدة ومن أبرزها إحتلال إسرائيل لأراضٍ عربية منذ ذلك الحين ، وإعتراف دبلوماسي بإسرائيل من قبل بعض من أحتلت أراضيه .. ودخول عالم المساومات والصفقات السياسية بين العديد من الدول العربية مع إسرائيل لتحل محل المقاومات المسلحة وحرب الإستنزاف .. وبدلاً عن الوحدة العربية التي كانت طاغية جماهيرياً في فترة الستينات حلت محلها صراعات إقليمية وحالات تمزق جديدة .. وبدأت الإمبريالية الغربية صفحتها الجديدة بإستخدام القوة العسكرية في إحتلال دول مستقلة ذات سيادة ، أعضاء في منظمة الأمم المتحدة ، وتحت غطاء قرارات من الأخيرة لشرعنة الإحتلال العسكري .
وبدأت عمليات إذكاء التطاحن الإقليمي تحت ذرائع وأشكال مختلفة منها المذهب الديني والطائفية والتعصب القومي والعرقي .. والتحضير كما يبدو للصفحات القادمة والتي من أبرزها ربما ماحمله بين طياته مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وصل عرّابه " جوزيف بايدن " ، الآن الى منصب نائب الرئيس الأمريكي ، وليس مستبعداً أن يكون هو نفسه الرئيس في يوم ما ..
ونظرة واقعية واحدة الى الوضع العربي والإقليمي تكفي لإعطاء صورة واضحة من أكبر علاماتها ودلائلها الوضع العراقي وتنصيب لقطاء السياسة وعملائها من دول الغرب وإيران ودول من هنا وهناك على قمة السلطة الحاكمة .

لقد ظهر في الأسواق وقبل سنوات كتاب باللغة الإنكليزية ، لاتسعفني الذاكرة الآن من تذكر إسم كاتبه ، كان بعنوان " قادة مصمَمُون " ، أو هكذا أتصور ترجمته الأقرب الى العربية ، وهو باللغة الإنكليزية :
  “ Designed Leaders “  
يتحدث مؤلفه فيه عن القادة والرؤساء الذين يتم إعدادهم وحسب (المقياس) لتولي إدارة الدول التي تعني الغرب والساسة العالميون كثيراً لغرض تنفيذ مفردات السياسة الدولية وتحقيق مصالحها على الوجه الأكمل مع الأخذ بنظر الإعتبار ظروف تلك الدول والخواصر الضعيفة فيها دينية كانت أو عنصرية أو مذهبية من أجل إختراقها من خلالها ..!!

وما دمنا قد وصلنا الى هذه المحصلة وعلى ضوء التجربة العراقية المرّة على وجه الخصوص .. وعرفنا ماذا تعني حلقة تبديل الوجوه بمفهومها السياسي .. لابد أن هناك من يتساءل لماذا إذاً كان عنوان هذا الموضوع " القيادات النائمة " وما هو المراد منه ..؟
وللإجابة .. أعود الى تجربة الإحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان والمستنقع الذي دخلوه متفقين واختلفوا في كيفية الخروج منه ..
وأعود الى الفلسفة الإمبريالية فيما يتعلق بإختراع ( الإرهاب ) وتمريره على الجميع ،  وقد علمنا في الحلقة الأولى من هذا المقال في الأسبوع الماضي كيف نشأ مصطلح الإرهاب على يد بنيامين نتنياهو وقادة الإمبريالية العالمية والصهيونية فيما سمي " مؤتمر القدس " .. فاصبحت المقاومة المشروعة للإحتلال ، إرهاباً .. والمقاومون إرهابيون ..!
ولم يتوقف هذا الشبح ( الإرهابي ) عند حدود الدول التي ترزخ تحت إحتلالهم .. بل إمتد ليشمل تلك التي قد وضعت على جداول حسابات التقسيم والإحتلال ، فاصبح الكلام عما يسمى (( الخلايا النائمة )) للإرهاب هذه المرّة ، والتي سوف تتحرك في الوقت المناسب ضد الأنظمة الحاكمة والتي بدورها ليس أمامها إلا الإتكال على أميركا والتوكل عليها إن رغبت في البقاء على قيد الحياة ( !!! ) .

من هنا أردت عرض الحقيقة في هذا المصطلح ، سواء أكان وجود خلايا نائمة تعمل لصالح هذه المنظمة أو تلك ، أو هذه الدولة أو تلك ، حقيقة ً أم خيالاً .. إلا أنني اؤمن أن هناك أيضاً (( قيادات نائمة )) يتم طبخها على نار هادئة لتتولى المهمة بعد إنضاجها جيداً ، وخلق المناخ المناسب لظهورها .. ومرة أخرى العراق دليل واضح على ماأقول ..

مجلس الحكم بالدورة الشهرية .. حكومة علاوي المؤقتة .. حكومة الجعفري الطائفية .. وحكومة المالكي المشاكسة والطائفية .. هذا في سبع سنوات من الإحتلال المقيت ، وعلينا أن نحصي الوجوه التي سقطت ، والتي تبدلت .. والتي تنتظر دورها .. ( حلقة تبديل الوجوه ) !!
أربعة أشهر ونيف مضت على الإنتخابات ، أو هكذا أطلق عليها .. ولايزال الصراع في قمته بين أقطاب الإئتلافات والقوائم الإنتخابية والأحزاب للفوز بمقاعد رئاسة الحكومة والجمهورية ومجلس النواب ، ناهيك عن الصراعات القادمة حتماً على الوزارات السيادية وبقية الوزارات والمناصب الحساسة في الدولة ، حتى لو تم حل معضلة منصب رئيس الحكومة غداً !! ( التمهيد لإنهاض قيادات نائمة )

أتساءل .. وأسأل كل عاقل .. ألا تعلم أميركا والغرب والأمم المتحدة ، ماذا يعني مفهوم تطبيق الديموقراطية وهم من يملك اليد العليا في إدارة العراق الآن ..؟ أليست الديموقراطية هي فوز حزب ليشكل الحكومة وبقاء الآخرين في مقاعد المعارضة لمراقبة الأداء الحكومي وتسقط الأخطاء وتصحيح المسارات وبناء الثقة لدى الشارع للفوز في الإنتخابات القادمة ..؟ وهل يعقل أن يريد الجميع كما هو الحال في العراق اليوم ، أن يكون رئيس الحكومة والحكومة منهم ويتصارعون على ذلك لأكثر من أربعة أشهر وعلى حساب البلد والمواطن المسكين ، ثم يتكلمون بإسم الديمقراطية .. وأميركا راضية وساكتة ..!!؟؟

وأتساءل ، وأسأل كل عاقل .. هل من المعقول أن تعجز الإدارة الأمريكية صاحبة الفضل الأول في إدخالهم الى العراق ، والحفاظ عليهم ، وكذلك قواتها العسكرية في العراق وأجهزة إستخباراتها ومن يدور معهم من مسلحي الشركات الخاصة كما يسمونها ، وأنا أسميها الميليشيات الأمريكية ، وهم بعشرات الآلاف ، من فرض القانون وتنصيب رئيس حكومة من بين المتصارعين وبشكل ( ديموقراطي ) ، ونحن نعلم أن كل المتصارعين هم أزلامهم وحوارييهم ..؟؟
الجواب بالطبع : كلا ، ومع كل التبريرات التي يحاول البعض الإستناد عليها مثل موضوع التدخلات الإقليمية والإيرانية بالذات .. والكل يعلم أن تحالفات أميركا وأذرعها تلف جميع أولئك بشكل أو بآخر .. في العلن وفي السر .. فما هو السر إذاَ في إبقاء حالة الفوضى التي بدأت تنزلق من كونها ( خلاقة ) حسب تعبير رامسفيلد .. الى فوضى بلغت مداها الأعلى ..؟

إنها ، وبحسب رأيي المتواضع ، لاتخرج عن كونها الفترة الحاضنة : (( للقيادة النائمة )) ..!

لقد قلنا في السابق ، ونقول الآن .. أن كافة ( الربع ) الذين قدموا الى العراق مع الأمريكان ، وانكشفت علانيتهم وأسرارهم أيضاً ، خلال هذه السنوات وعلى يد الأمريكان ، هم ليسوا أكثر من قادة ( ديسبوسبل ) .. أكواب ومواعين كارتونية ، ومناشف ورقية .. تنتهي من إستعمالها فترميها في سلة الزبالة ..!! ولكل منهم أجل هو بالغه وموعد محدد له ..!

وكما هي (( الخلايا النائمة )) ، فهناك (( قيادة نائمة )) تنتظر دورها لتأتي الى العراق وتنفذ دورها بعناية (!!) ، بل ، وسينتظرها الناس بفارغ الصبر ، كما تنتظر العروس فتى أحلامها يأتي ممتطياً حصاناً أبيضاً ليأخذها الى حيث السعادة والأمان ..!
وعندها سيكون لنا أحاديث ، وأي أحاديث !

وأختتم فأقول : { ومكروا مَكرَهم وعند اللهِ مكرِهم ، وإن كان مّكرُهم لتزولَ منهُ الجبال }
26/07/10


    

No comments:

Post a Comment