Friday 18 May 2012

كلمات الى كاتب " سبارتكوس "



 


بتاريخ 4 من الشهر الحالي ، قرأت على موقع كتابات مقالة تحمل عنوان " سبارتكوس " .

عادةً ما أتابع وبشكل يومي المقالات المنشورة لاسيما تلك التي تتعلق بهموم العراق ، أو تلك التي تحمل أسماء كتّاب عرفناهم على هذا الموقع المتميز ، وخصوصاً أصحاب النَفس الوطني ، وبالأخص أولئك المتميزين برشاقة الطرح للكلمات والعبارات فنتعلم منهم ونغترف من معرفتهم .

مالفت نظري في مقالات يوم 4/6 ، هو عنوان " سبارتكوس " .. ولأنني قد قرأت قصة هذا العبد في زمن الرومان وسيرة نضاله وثورته على الطغيان والتي سميت بثورة العبيد حتى أنهى حياته وكفاحه الإنساني مصلوباً على صليب بيد طغاة الحكام الرومان . وقد كانت " هوليوود " قد أنتجت فلماً رائعاً عنه في خمسينات القرن الماضي قام ببطولته الممثل " كيرك دوغلاس " . لذلك بدأت بقراءة المقال ، وبدلاً من أن أجد ضالتي في الهدف من كتابته كما قد يوحي العنوان ، صدمت أن الكاتب قد إستخدم الإسم والقصة لغاية أخرى وهي الطعن وبشكل غير لائق بعقيدة يدين بها أكثر من مليار إنسان على وجه الأرض .. تلك هي الإسلام ونبيه وكتابه .

توقفت قليلاً .. هل أكتب ردي على ذلك .. أم أهمل الموضوع كلياً ..؟ فما أكثر المصابين بفقر الدم الإيماني .. وماأكثر المدفوعين أو المدفوع لهم في هذا المجال .. بل أن هناك وكما هو معلوم مواقع صحفية ألكترونية مكرسة لهذا الغرض .. ولايخفى على الجميع من يمولها ويديرها ، والغاية من وراء ذلك أصبحت أيضاً مكشوفة ومعروفة حتى للسذج من الناس .
ثم قررت أن أكتب هذه الكلمات بعد حوالي أسبوع على نشر المقال كنت خلاله بين التصميم والتردد .

من إسم الكاتب يمكن القول أنه مسلم بالولادة ، هذا إذا كان الإسم المستخدم حقيقياً . ومهما يكن الأمر فمن حق الكاتب وغيره أن يختار طريق حياته وعقيدته ومُثله ( فمن شاء منكم فليؤمن ومن شاء فليكفر ) أو كما قال هو نفسه مستشهداً بالآية القرآنية الكريمة ( الله غني عن العالمين ) .. فهذه ليست المشكلة .. ولكن التجاوز والطعن بما يؤمن به الآخرون وبشكل رخيص ، هي المشكلة الحقيقية التي إبتلى بها أصحاب الفكر والقلم ومّن يقرأ لهم والمثقفين بشكل عام ، لأن الإنسان الكاتب بذلك الأسلوب  يكون قد أسقط عن نفسه إبتداءاً صفات حرية الفكر والديموقراطية ، وأسقط أفكار الآخرين وسفّه آراءهم وهو مالاينطبق وصفات الإنسان المثقف الناضج .

ولئن أفسد بعض من يسمّون أنفسهم ( الإسلاميون ) أيما إفساد واستبدلوا الأنا والمصالح الشخصية بالإسلام الدين والعقيدة والجوهر ، وأعطوا بذلك الفرصة لمن يتصيد في الماء العكر يبحث عن شبهات يفسرها على هواه .. فإن ذلك لايعني أن الأصل في العقيدة فاسد وغير صالح .. وكم يكون من الأفضل توجيه الأقلام الى هذه الشريحة من البشر لإيقاضهم من أخطائهم .. ولكن ذلك لايفعله إلا من فهم ووعى وأراد الإصلاح لا التخريب .. وليس بالطبع مَن في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً .

لستُ ، وكما يعرفني الجميع من خلال العشرات من مقالاتي ، بالإسلامي المتحزب أو المتعصب .. ولكنني أيضاً لست بالعلماني عندما يراد من وراء هذه الكلمة الإلحاد وتكفير الآخرين . أقف في الوسط لاأبالغ في الإيمان ولاأنحدر الى الهاوية . أحترم عقائد وآراء الآخرين لأنني جزء من المجتمع الإنساني بكافة أطيافه .. والإنسانية بحد ذاتها هدف سامِ .

بعد هذه المقدمة .. أود مخاطبة الكاتب ، بالنهج والطريقة التي إتبعها في مقاله ، وليس بالأسلوب .. أي أنني سأكتب مستنداً الى آيات قرآنية كما فعل هو ماضياً مع مقاله سطراً بعد آخر ، ولن أنحدر الى اسلوب الطعن والتسفيه إلا بالقدر الذي يتيح لي الدفاع عن ثوابت .. وبكلمة أكثر دقة سأكون هذه المرة مدافعاً غير مهاجم .

نعم .. العبودية معروفة منذ فجر التاريخ  .. وقد تبنى محاربتها الأحرار في التفكير من البشر ، كما تبنى الأنبياء والرسل في رسالاتهم ودعوتهم نفس النهج .. فمنذ زمن النبي نوح عليه السلام ، وهو الإبن السابع من ذرية آدم .. وأعني أنه قديم قِدَم التاريخ .. خاطبه قومه : ( وما نراكَ إتّبَعَكَ إلا الذينَ هُم أراذِلُنا بادِىَ الرأي ) ، أي تعييره أن مَن إتّبعه هم العبيد والفقراء فكيف يتبعونه هم وهم السادة وعلية القوم ؟

الدعوة الإسلامية ، كغيرها من الأديان السماوية أتت لتساوي بين البشر ، وكما ذكرت في بعض الأحاديث النبوية في صدر مقالك .. وقبلها الآيات القرانية ، وأذكرك هنا بواحدة منها ( ياأيها الناس أتقوا ربَكم الذي خلَقَكُم مِن نفسٍ واحدة ) ..

الكاتب بعد أن ذكر لنا دعوة الإسلام الى المساواة .. شَطّ بعيداً في طرحه فقال أن التشريعات التي جاءت في العهد المدني ، أي في المدينة المنورة أو يثرب ، ناقضت التشريعات السامية حول العبودية
( التشريعات السامية كلامه نصاً ) .. ورسخت نظام العبودية في المجتمع الإسلامي ..!

وأقول للكاتب ، لو رجعت الى الآيات القرانية لوجدت العديد والعديد منها قد أتت بالتشريعات في العهد المدني ، إضافة الى الأحاديث النبوية . هذا أولاً ، وثانياً أن الإسلام لم يسمح بممارسة الجنس كما تعمدت أن تقول مع ماملكت أيمانكم .. فالإسلام نهى وحرّم موضوع الزنا وشرع لمرتكبه أشد العقاب في الدنيا والآخرة ( أي ممارسة الجنس بدون رابطة زوجية ) وفي آيات كثيرة ..
ومَلَكة اليمين لاتعني هذه الممارسة بدون عقد زواج .. وأنصحك بالتعمق في قراءة كتب الفقه والتشريع

أما ( الحر بالحر والعبد بالعبد ) فلا تعني الإقرار الصريح بالعبودية كما قلت .. بل هو تمييز بين الواقع الطبقي الذي كان موجوداً بين المسلمين أوغير المسلمين في الجزيرة العربية والذي لم ينتهِ مبكراً بشكل كامل .. كما أن الموضوع هنا ليس فقط الحر والعبد  ، بل الآية نفسها تقول ( والأنثى بالأنثى ) وأعتقد أنك أسقطت ذلك متعمداً لتشويه شمولية الآية .

النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، تزوج صفية بنت حيي ، بعد معركة خيبر التي قتل فيها زوجها ، زواجاً شرعياً بعد أن أصبحت سبية حرب وأصبحت بعد ذلك تحمل صفة أم المؤمنين .. أولاً لأن أباها حيي بن أخطب كان رئيس قومه ، وثانياً للتقريب بالمصاهرة بين اليهود والمسلمين والقرآن قد أجاز الزواج من الكتابية . وأود أن أذكرك هنا بحادثة من قصص السيرة النبوية قد تعرفها وقد لاتعرفها ، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل على صفية يوماً ورآها تبكي بعد أن أسمعتها إحدى زوجاته بعض الكلام كونها يهودية .. فقال لها : أنتِ خيرٌ منها ، قولي لها أنكِ زوجة نبي وإبنة نبي ، أو هكذا قال ، ويقصد بإبنة نبي أنها ترجع بنسبها الى هارون شقيق موسى عليهما السلام .. ولاحظ هنا قوله
( زوجة نبي ) والزوجة غير ماذكرت من ( ممارسة الجنس ) إعتباطياً فقط ..!!

أما بدر وموضوع الأسرى ، فهو ليس تطييب خاطر عمر أو تأييد أبو بكر .. فهذا كلام فارغ وغير منطقي .. إنه من أمر الله ( وشاورهم في الأمر ) وهكذا كانت القرارات تصدر بالتشاور دائماً ، إلا ما يكون نصاً منزّل .
أما قولك .. القرآن من تأليف محمد ، والذي أعقبت به مناقشة هذه الفقرة ، فالحقيقة أراه لايستحق مناقشتك فيه ، أولاً لأنه موضوع يحتاج الى صفحات وصفحات ، وثق أنه لاتنقصني المعرفة به ، ولكنني لاأريد الإطالة .. وثانياً ، أنك تناقض نفسك بنفسك .. فتارة تستند في تبريراتك ودعم أفكارك على آيات قرانية وأحاديث لتثبت نقطة معينة للقارئ وتعود فتقول أن القرآن كتاب من تأليف محمد !!

(( العبودية التي قلت عنها أنها ترسخت في لاوعي البشرية منذ طفولة العقل البشري ( ولاأدري ماذا تقصد بطفولة العقل البشري ) فإذا تمعنا في العلاقة بين الإنسان والله في معظم الأديان  ( ولاادري لماذا معظم وليس كل ) نراه ( والصحيح نراها ) كعلاقة السيد بالعبد ..))  ثم تستشهد بآيات قرآنية مرة أخرى .

العبودية من العبادة .. فأنت تعبد الله ، فأنت إذن عبد له ، وأنت عبد له لأنه خالقك وأمرُكَ كله منوط به
وتتساءل هل يحتاج الله الى عبادتنا أو عبوديتنا له ..؟  وهنا توقع نفسك في مطب .. فإذا كنت تؤمن بالله وتعلم قدراته وتعرفه كما ينبغي فالجواب بنعم .. وإذا كنت تقارن العبودية لله بأنها تشبه العبودية للبشر وهذا كما يبدو لي .. فأنت هنا ـ مع إحترامي ـ تخبط خبط عشواء !! لأنك تقول أن الأديان جعلت منّا
خرافاً في قطيع يسوقه الحاكم وبالأخص الحكم الديكتاتوري ، وتربط الموضوع بصدام حسين ، ثم بالمحتل الأمريكي للعراق وصنائعه .. والغريب أنك تعزي ذلك الى الآية ( أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ..) وقد نسيت الحديث المفسّر لهذه الآية ( لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .. فولي الأمر يجب أن يكون مستقيما ، مطيعاً لله ، عادلاً ، صادقاً ، لكي تجب علينا إطاعته .

بقيت لي كلمات أخيرة ، ونحن نتحدث عن العبيد وموضوع سبارتكوس والذي لم أجد في مقالك ذكر له أو لسيرته ونضاله .. 
منها آيات شرعت تحرير العبيد وهذه بعضها :
( ومّن قتلَ مؤمناً خَطَأً فتحرير رقبة مؤمنة ...) النساء 92
( لايؤاخذكم الله باللغو في أيمَانكُم ولكن يؤاخذُكُم بما عقّتم الأيمَان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ماتطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ...) المائدة 89
( والذين يظاهرونَ مِن نسائهم ثم يعودونَ لما قالوا فتحرير رقبة ...) المجادلة 3
( فلا اقتحمَ العقبةَ ، وما أدراكَ ماالعقبةُ ، فكُّ رقبة .... ) البلد 13

تحرير الرقبة أو فك الرقبة ، هو تحرير العبد من عبوديته لسيده أو مالكه من الناس الأغنياء .

وكذلك أضيف وبكلمات مختصرة :
أن الإسترقاق كان حقيقة ثابتة قبل مجيئ الإسلام ، وكانت الأديان السابقة مما وصلنا منها توصي بولاء العبد لسيده .. والقرآن تكلم عن عتق الرقاب .
لو أمر القرآن بتسريح العبيد دفعة واحدة وهم في ذلك الوقت عشرات وربما مئات الألوف لكان معناه كارثة إجتماعية في خلق جيش من العاطلين أو الشحاذين أو المستجدين .. او ربما الإنحراف الى ممارسة السرقة أو الدعارة ليجدوا اللقمة ، وهو أمر أسوأ من الرق . فكان الحل القرآني قفل باب الرق أولاً ثم تصفية الموجود منه من خلال الأحكام والتشريعات ..
وبما أن الكثير من الرقيق كانوا من الأسرى نتيجة الحروب الكثيرة بين القبائل فقد أمر القرآن تلافياً لجعل الأسير رقيقاً ، بأن إما يطلق الأسير أو تؤخذ منه فدية ( فإما مَنّاً بعدُ وإما فِداءً حتى تضع الحرب أوزارها ...) محمد 4

الإسلام جعل من العبد الرقيق أخاً ، وأمر بعتقه ( ليس فقط في بدء الإسلام بل في نموه وازدهاره في المدينة أيضاً ) :
" إنما المؤمنون إخوة "
" هو الذي خلقكم من نفس واحدة "
" لايتخذ بعضنا بعضاَ ارباباَ من دون الله "

تبنى محمد صلى الله عليه وسلم عبداً رقيقاً هو زيد بن حارثة وجعله كإبنه ، ثم زوجه من حرّة سليلة البيت النبوي وهي إبنة عمة الرسول زينب بنت جحش .

ألا هل بلّغت ، اللهم اشهد
والسلام على مّن إتبع الهدى .

10/06/10 
     

No comments:

Post a Comment