Tuesday 22 May 2012

المحصّلة الإقتصادية من ربيع الأنظمة العربية

ليس هناك مثلنا نحن الشعوب العربية في كل العالم مَن خبِر القلاقل السياسية والإنقلابات العسكرية والثورات والإحتلالات على مدى أكثر من ستة عقود من الزمن .. وهي ليست كامل الحقبة الزمنية ، بل قد سبقتها سنوات طويلة ربما إمتد بعضها لقرون من الهيمنات الأجنبية على الأرض العربية من أقصى شرقها الى أقصى غربها ومن شمالها حتى جنوبها . كما أن هذه البقعة من العالم كانت أيضا مسرحا ثانيا بعد أوربا لحربين عالميتين .
في علم السياسة ، ليس هناك من هيمنة تفرض من دولة قوية على دولة ضعيفة إلا أن يكون وراء ذلك منافع للدول المحتلة .. ومِن أهمها المنافع الإقتصادية والتي تأتي بالدرجة الأولى وتكاد تكون الوحيدة حتى لقد أطلق على علم الإقتصاد : الإقتصاد السياسي .
ولكي يتم فرض تلك الهيمنة ، فلابد مِن إيجاد المبرر لذلك . فمِن غير المعقول أو المنطقي ، أن يُعلن عن السبب بأنه إقتصادي .. أي ( ها نحن قد أتينا لكي نسرق مالديكم ) ، فكان لابد من إيجاد المبررات الأخرى وهنا نرى أبرزها كان على سبيل المثال : ( فساد الأنظمة السياسية الحاكمة ) و (حق الشعوب في الحرية والديموقراطية ) .. والغريب أن تلك الأنظمة السياسية الحاكمة ، كانت بدورها قد تم تنصيبها وتمكينها من البلاد والعباد من قبل نفس القوى أو بتشجيع منها أوبالدعم لها لاحقا . بمعنى واضح لايقبل اللبس ولا التفاسير ، أن ( حلقة تبديل الوجوه ) هي التسمية الصحيحة للمعادلة التي بتنا نعرفها إعلاميا : ( تغيير الأنظمة وإسقاط الديكتاتوريات ) .
لقد تطرقت شخصيا وبإسهاب في مقال سابق لي عن فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي والتي تميزت بالإنقلابات العسكرية بشكل خاص .. والتي توالت الواحدة تلو الأخرى إما بسبب الصراعات الداخلية في الأنظمة الجديدة وحسب قاعدة ( أن الثورة تأكل أبناءها ) ، أو بسبب الصراعات الآيديولوجية بين الأحزاب السياسية على الساحة آنذاك . وحاولت أن أعقد المقارنة بين ذلك الأسلوب الذي إختفى بعد نصف قرن من الزمن .. وبين ثورات الشارع والتي تمترست هذه المرة وراءها قيادات أحزاب كانت مغمورة وضعيفة في القرن الماضي وأعني بها ( الأحزاب الإسلامية) حيث ظهرت موجتها وبشكل قوي ، داعمة أو مدعومة ، لتتولى عمليات التغيير للأنظمة من خلال إستغلال وسرقة الثورات الشعبية على الظلم والتسلط . ولا أريد العودة الى ملابسات ذلك هنا وقد أصبحت واضحة ومعروفة للجميع بل سأكتفي فقط بما ذكرت كمقدمة وتوطئة لموضوعنا .
رُفِعت الشعارات الإسلامية واتخذت إتجاهات مختلفة تباينت مابين ( ولاية الفقيه ) و ( تصدير الثورة ) و ( المقاومة الإسلامية ) و ( الصحوة الإسلامية ) و ( لابديل عن دولة الخلافة ) ...! والشعار الأخير بدأت أدبياته تظهر لنا على الصحافة وتُطرح من قبل ( حزب التحرير ) الذي كان هو الآخر مشلولا لعقود من الزمن حتى منّت عليه الثورات العربية وربيعها بالتماثل للشفاء .
أرى من المناسب هنا ، وكمثال فقط ، أن أدرج فقرات من مقدمة كتاب صدر مؤخرا عن حزب التحرير .. أما جماعة ( الإخوان ) وأحزابهم تحت المسميات المختلفة والحركات الأخرى وكذلك الأحزاب الطائفية الشيعية الممولة والمدعومة من إيران بشكل خاص ، فقد علمنا الكثير من مكشوفها ومستورها ، خلال السنوات الأخيرة أو على الأقل خلال الأشهر الأخيرة التي رافقت ربيعنا العربي (!!)
الكتاب بعنوان (( حزب التحرير يعود للحياة بعد الثورات العربية )) للباحثين مصطفى زهران ومحمود طربوشي ، صادر عن مؤسسة " الإنشاء العربي "
تناول الباحث المتخصص في شئون الحركات الاسلامية مصطفي زهران حزب التحرير في مصر , بدأ بإطلاله تاريخية بسيطة ثم كان تركيزه علي دور الحزب و انتشاره بعد نجاح الثورة المصرية من خلال تتبع اصدارته و بياناته الصحفيه و الاخبار و الوقائع التي حدثت داخل مصر و دور و راي حزب التحرير في هذه الأحداث خاصة مع بروز حزب التحرير كحزب يسعي الي الحصول علي رخصة من لجنة الأحزاب المصرية بعد أن كان مرفوض من النظام السابق مما ينذر بتحول في طريقة حزب التحرير بالعمل بعد الثورات العربية و هو الحزب الذي اتسم بالسرية الشديدة نتيجة الملاحفات الامنية المستمرة له و التي كانت اخرها القضية المعروفة في عام 2002 و التي تم القبض فيها علي اكثر من مائة عضو منهم ثلاثة بريطانيين و فلسطيني , تناول البحث دور الحزب المستقبلي ان اتيحت له الحصول علي ترخيص و مدى تاثيره في الحياة السياسية خاصة و انه يمتلك رؤية متكاملة حول الحكم و نظريته القائمة على الخلافة و دستور الحزب الذي يعرضه على الحكومات و الانظمة لكي تقوم بتطبيقه
ثم تناول الباحث محمود طرشوبي دور حزب التحرير في ليبيا ببن التاريخ و المستقبل المأمول , و قد ركز الباحث علي الدور التاريخي للحزب في ليبيا و الذي بدأ في الخمسينات من القرن السابق ثم حدث له نوع من الانتشار داخل اكثر من مدينة ليبية ثم جاء القذافي و دار دورته على الحزب و قتل من قتل و عذب من عذب , ثم كان لقاء القذافي بحزب التحرير و موقف حزب التحرير معه و اصدار الحزب لكتيب يتناول ما دار في اللقاء ثم اكمل الكاتب بحثه برؤيته المستقبلية عن الحزب و الأمال المعقودة له في ليبيا .

هذا جزء عما جاء في مقدمة الكتاب والتعريف به .. وكذلك عنوانه الملفت للنظر !!
لقد تم إنجاز الخطوة الأولى من " الربيع العربي " .. كانت نتائج هذه الخطوة لحد الآن بما يمكن تلخيصه بما يلي :
ــ على المستوى السياسي : إستمرار حالات الفوضى سواء على صعيد ( المجالس ) الحاكمة ، أو على صعيد التكتلات السياسية التي ظهرت على السطح كما في مصر وتونس ، واستمرار حالة الصراع الذي وصل الى رفع السلاح كما في اليمن ، ثم ماتلى ذلك من مطالبات ( إنشاء الأقاليم ) !! وكما هو الحال بالنسبة لإقليم برقه في ليبيا حاليا ، تماما وبشكل متطابق مع ماحدث ويحدث في العراق في ظل حكومات الإحتلال الأميركي ـ الإيراني .
ــ على المستوى الإقتصادي ، وهو الأهم أو المحصّلة لما أفرزه الوضع السياسي ، فإنني سوف أستعير أجزاء من تقرير قام بنشره (( المركز العالمي للدراسات التنموية )) والذي يتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقراً له. www.icdstudies.com
لا معلومات كاملة لدي عن هذا المركز ، ولكن تقريره الذي تم نشره مؤخرا تحت عنوان : (( الإستثمارات تعود بقوة الى دول الربيع العربي .. السعودية والإمارات وقطر والكويت أكبر المستثمرين)) جعلني أقرأ مابين سطوره وفي رأسي تدور ألف علامة إستفهام !! واليكم ماجاء في التقرير ( الذي أرجو قراءته بتمعن وللأخير) وكذلك ملاحظاتي التي خرجت بها بعد قراءته :
أوضح تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن ، إن حجم الفرص الإستثمارية المتاحة في دول الربيع العربي قد يتجاوز 300 مليار دولار . وأنه على الرغم من إنسحاب العديد من الإستثمارات الأجنبية من دول الربيع العربي وخسارة إقتصادات تلك الدول لما قيمته 21 مليار دولار إلا أن الأعوام الثلاثة القادمة ستشهد عودة هذه الإستثمارات اليها وبقوة . وأشار التقرير الى أن الثورات العربية الأخيرة ساهمت في خلق فرص كبيرة وواعدة لشركات الإتصالات وأنظمة المعلومات تفوق 50 مليار دولار مع توقعات بارتفاع الطلب في تلك المناطق لأكثر من 10% خلال العام الحالي 2012 . أما في قطاع الطاقة فمن المتوقع أن يصل حجم الإستثمار فيه الى 45 مليار دولار وذلك مع إزدياد الحاجة الى تطوير وتنويع مصادر الدخل في إقتصادات تلك الدول . كما ساهم تغير أنظمة الحكم في دول الربيع العربي الى خلق فرص أكبر لتطور قطاع المصارف الإسلامية وشركات الإستشارات المالية بارتفاع قد يصل الى 10 مليار دولار ونظرا لارتفاع حجم البطالة في العالم العربي فقد توقع المركز العالمي للدراسات التنموية تزايد الطلب على شركات التدريب الفني والمهني لتطوير الكفاءات في سوق العمل ليصل الى قرابة 5 مليار دولار وكذلك نمو قطاع الصناعات التحويلية بنسبة تصل الى 10% من إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول . وبيّن التقرير أن حاجة بلدان الربيع العربي الى الإستثمارات الأجنبية سوف يزيد من الطلب على شركات العلاقات العامة لاستقطاب رؤوس الأموال وتنشيط قطاع السياحة . ومن المتوقع أن يزداد نمو هذا النوع من الشركات في دول الربيع العربي ليصل الى مليار دولار في الأعوام الثلاثة القادمة وهو ضعف حجمها الحالي . كما تعرّض التقرير الى فرص جديدة محتملة في مجال الإعلام الإقتصادي وتطوره خاصة مع إزدياد الحاجة الى المعلومات والبيانات عن فرص الإستثمار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . ولم يغفل التقرير أهمية الإستثمار في القطاع الزراعي وخاصة مع إزدياد نسبة النمو السكاني في العالم العربي وتزايد الطلب على السلع الغذائية مما يسمح بوجود فرص استثمارية بقيمة 50 مليار دولار في قطاع المواد الغذائية فقط . التقرير أشار أيضا الى أن الأعوام الثلاثة القادمة ستشهد تدفق رؤوس أموال عربية كبيرة الى دول الربيع العربي وبخاصة من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت . واوضح التقرير أن العوائد المرتفعة للنفط والإستقرار السياسي لتلك الدول الخليجية ساهم الى درجة كبيرة في تطور أدائها الإقتصادي مما يجعلها قادرة على أن تكون في مقدمة المستثمرين في دول الربيع العربي . ــ إنتهى التقرير ــ
ــ إبتداءا ، وكإقتصادي ، قبل أن أدخل عالم البحوث والمقالات والدراسات السياسية خلال السنوات القليلة الماضية ، أستطيع أن أقول بأن التقرير ، ومع إحترامي للمركز الذي أصدره ، لم يكن أكثر من مقال إعلامي دعائي تضمن معلومات هلامية غير واضحة علميا وخصوصا بالنسبة للأرقام والإحصاءات التي أوردها دون الأشارة الى أية دراسات بشأنها. لقد لاحظت على شبيل المثال أنه أورد الفترة الزمنية ( ثلاث سنوات ) أكثر من مرة عند الحديث عن التوقعات المستقبلية ، ولا أدري لماذا ثلاث سنوات وعلى أي أسس قد إستند المركز في إعتماد هذه الفترة الزمنية ؟ إلا اللهم أن لدى المركز المعد للتقرير معلومات سياسية لانعرفها على الرغم من أن إسمه لايدل على مضامين سياسية كدراسات أو بحوث ..!! أضف الى ذلك أنني قد لاحظت تكرار عبارة " دول الربيع العربي " لسبع مرات إضافة الى العنوان وذلك ضمن التقرير الذي لم يتجاوز الصفحتين .. وهذه التسمية تم إطلاقها أصلا من قبل الإعلام الغربي قبل إعتمادها من قبل بعض العرب وإعلامهم ..!!
ــ أشار التقرير الى أن خسارة الإستثمارات الأجنبية نتيجة ثورات الربيع العربي قد بلغت 21 مليار دولار وأكد لنا أن هذه المبالغ ستعود خلال السنوات الثلاث القادمة ( !!! ) . فهل أن ذلك يعني أن الإستثمارات الأجنبية التي خرجت في تلك الدول من الباب ستعود من الشباك أو من الباب مرة ثانية ..؟ أقول جازما أنها وفي ليبيا مثلا قد عادت قبل أن تجف دماء الشعب الليبي في الربيع العربي ويكفي أن نعلم إستحواذ فرنسا لوحدها على 35% من الصناعة النفطية في ليبيا من خلال إتفاقية طويلة الأمد وقّعها مصطفى عبد الجليل في باريس ..!! فهل أن إستثمارات قطاع الطاقة التي أوردها التقرير وتوقع أن تكون بحدود 45 مليار دولار قد أخذت ذلك بنظر الإعتبار أم أن هناك ما هو أكثر خلال السنوات الثلاث القادمة ..؟!
ــ يتكلم التقرير عن الأعمال المصرفية من خلال ماأطلق عليه " المصارف الإسلامية " . هناك حقيقة تتعلق بهذا الجانب قد لايعرفها الكثير من القراء العرب أو المسلمين وهي انه في الصناعة المصرفية هناك في العالم بنوك تعد على الأصابع Leading Banksوهناك آلاف أخرى من البنوك لاتستطيع الحصول على إجازة العمل كمصارف إلا إذا كانت تنضوي تحت أحد تلك البنوك العالمية ، أي بنوك ساندة لها .. وجميع تلك البنوك هي بنوك غربية أو شرق آسيوية وتعمل كبنوك ربحية وتتعامل بالفائدة مع بقية البنوك الأخرى ومن ضمنها مايسمى بالبنوك الإسلامية . اما مايتعلق بالإستثمارات المالية والتي أشار اليها التقرير ، ففي عالم الصيرفة والإقتصاد ، لاوجود لشيئ إسمه إستثمار مالي بدون الفائدة وبدون ضوابط ومؤشرات الأسواق المالية .. فالعملية بمجملها إذن تدور ضمن الأعمال الربوية ولفائدة الرأسمالية العالمية في آخر المطاف ولا تعني عبارة ( فرص تطور قطاع المصارف الإسلامية وشركات الإستثمارات المالية ) الواردة في التقرير أي شيئ على أرض الواقع يصب في إنعاش إقتصاد دول " الربيع العربي " بقدر ماهو خدمات جديدة مضاعفة تصب في خزائن البنوك العالمية الرائدة وإقتصاد الدول الكبرى ..!!
ــ يمضي التقرير على نفس المنوال في الحديث عن الإستثمارات في قطاعات السياحة والعلاقات العامة والإعلام والزراعة وغيرها .
كل ذلك بكلمة أو بأخرى يعني أن المداخيل الرئيسية ستكون خيوط عملياتها بيد الرساميل الأجنبية التي ستساهم في إعادة الحياة الى شرايين الإقتصاد العالمي المتدهور وإنتشاله من حالة الكساد التي يعيشها حاليا بفضل إحكام السيطرة على ثروات الربيع العربي !!
أختتم بتذكير من يعيشون وهم " الربيع العربي " .. ومن مروجي مثل هذه الدراسات الشبحية الإعلامية من الدول الخليجية خصوصا .. أذكرهم بالحالة العراقية . فعلى الرغم من أن العراق لم يكن ضمن قائمة دول الربيع العربي ، إلا أنه كان مفتاح تطبيق صفحات المؤامرة العالمية في المنطقة بعد أن تم إحتلاله عسكريا .. وأتساءل :
بعد تسع سنوات من الإحتلال .. وبعد إسقاط ( الديكتاتورية ) .. وبعد التدخل المباشر في كل مرافق الحياة الإقتصادية والسياسية في العراق من قبل الغرب والصهيونية العالمية ومَن يتبعهم من الدول الإقليمية .. وبعد تنصيب أدوات تنفيذية للمخطط بما يسمى حكومات عراقية .. بعد كل ذلك ماهي المحصّلة التي إنتهى اليها العراق ، البلد الغني والمهم ؟؟
هل هناك ضرورة فعلا لإعادة سرد حالات التدهور الإقتصادي والخدمي والأمني والسياسي والإجتماعي وحقوق الإنسان .. لقد تم نشرمجلدات عن ذلك ليس من قبلنا كعراقيين بل من قبل مؤسسات عالمية إنتهت بوضع العراق في ذيل قائمة الدول المتأخرة والفاسدة ماليا .. وأحاديث الفساد والسرقات تنمو يوما بعد آخر وانتشرت روائحها النتنة داخل وخارج العراق . لا أعتقد أن هناك ضرورة للإعادة فلدى القراء والمتابعين الكثير .. الكثير .
كفانا وهماً وكفاكم تلاعبا ..!

No comments:

Post a Comment