Thursday 17 May 2012

قراءة في الأحداث السياسية ، وإستقراء للعام 2010




لاأدعي ، وقد إخترت عنوان مقالي هذا ،  أنني أجلس وأمامي البلورة السحرية أنظر من خلالها الى المستقبل ، لابل أعترف أن المشهد العام العراقي والإقليمي والعالمي على درجة من التعقيد فرضته المتغيرات غير المتوقعة مما جعل من الصعوبة بمكان أحياناً ،حتى التكهن بما سوف يحدث . لكنني بالنتيجة لست إلا واحداً من رعيل مدمني الفكر ورفاق وعشاق القلم أقف معهم في الصف ، أحلل وأكتب ، أخطئ وأصيب ، أنفعل وأتفاعل .. وأعترف وأقول للحقيقة والواقع ، أن الكثير منهم يقفون أمامي في الصف وبأشواط .

في 6 آب / أغسطس الماضي كتبت مقالاً نشر لي تحت عنوان : ( جواد ونجاد وتعبيد طريق الخيانة  بالبلدوزر الأمريكي ) .
لم تكن حينها قد وقعت أحداث الأربعاء الدامي في بغداد ..
ولم يكن أحد يتصور آنذاك أن حكومة العراق ستكيل التهم والشتائم للحكومة السورية وتناصبها العداء ، وسوريا أحد حلفاء النظام الإيراني ..
ولم يكن هيكل ( الإئتلاف ) في العراق بشكله الجديد قد ظهر أو أعلن عنه بعد بتحرك حثيث من قبل المجلس الأعلى ليضم بين جنباته البعض من أعداء الأمس في خطوة واضحة لتهميش جماعة الدعوة خصوصا بعد أن إنضم اليهم جزء من جزء من تنظيم العراق وهو جناح عبد الكريم العنزي وغياب جناح هاشم الموسوي ، ثم التيار الصدري وكتلة التضامن وتيار الإصلاح والمؤتمر الوطني العراقي ( أحمد الجلبي ) ومجلس إنقاذ الأنبار وجماعة علماء العراق فرع الجنوب وتجمع عراق المستقبل ، إضافة طبعاً الى المجلس الأعلى ومنظمة بدر !
كان الشارع الإيراني يغلي بعد الإنتخابات ، وكانت أفغانستان تستعد لإنتخاباتها ، والعراق الآن ينتظر دوره بهذا الخصوص في كانون الثاني 2010 ..! وكأن (لعبة ) الإنتخابات قد دخلت رقعة الشطرنج الأمريكي في المنطقة . ويبدو أن هناك بعض الثمار ستنضج وتطرح من خلال ذلك ..!
كان الصراع السياسي اللبناني في تشكيل الحكومة في قمته ولايزال ..
كما أن المفاوضات السورية / الإسرائيلية كانت تجري على إستحياء تحت الرعاية التركية ..
كل ذلك وأكثر كان يحدث ، أو بكلمة أدق ظهر على السطح وخلال أسابيع قليلة فقط ..!

فيما ذكرت في مقدمة ذلك المقال هو التالي :
{ في واقع الحال ، مابنينا عليه إستنتاجاتنا حول سخونة صيف عام 2009 ، ومفاجآت الأشهر الخمسة المتبقية من السنة ، كان محكوماً بأمور عديدة بدأت تتكشف تدريجياً .. وبعضها قد وصل الى حد سقوط ورقة التوت لتظهر السؤات القذرة كما سقطت الأقنعة هن الوجوه قبل ذلك بسنوات لتكسف لنا النتن والفاسد .
من أبرز هذه الأمور تعثر المخطط الأمريكي الحالي سياسياً وعسكرياً ، وانقلاب بعض فقراته وبالاً غير متوقع على الأمريكان بحيث أصبح إجراء بعض التعديلات والرتوش عليه أمر مهم .
وفيما إذا كان تقديري هذا صحيحاً أم لا .. إلا أننا بدأنا نشهد ومنذ أسابيع أحداث إقليمية لاأشك ولو للحظة واحدة أنها أمور جرى ويجري الطبخ لها وليست محض صدفة ، وأعتقد ومن خلال مؤشراتها وإفرازاتها الأولية التي ظهرت لنا لحد الآن أنها بدأت تُبَلور بعض أبعاد الخطة الأمريكية والتي ستتوضح وهي في طريقها للتكامل خلال الأشهر المتبقة من السنة ...}

تبدو أحداث المشهد الإقليمي حالياً وبعد ستة أسابيع من مقالي المذكور ، كما يلي :
ـ  تدهور فجائي يبدو مفتعلاً ومدبراً في العلاقات السياسية بين العراق وسوريا بعد إتهام العراق لسوريا بوقوفها وراء عمليات التفجيرات الدموية في بغداد . وكانت كافة المبررات العراقية المقدمة لدعم هذا الإتهام والمطالبة بعدها بتسليم عدد من قيادات بعثية عراقية تقيم في سوريا ، لاتستند على أدلة أوبراهين ثابتة وصلدة ، أكثر مما هي أدلة تثير الضحك والشفقة كما هو حال الشخص السعودي الذي ظهر على شاشة التلفزيون العراقي الرسمي وهو يدلي باعترافاته ضد سوريا وهذا الشخص موقوف في سجون العراق منذ أكثر من عامين !
بالمقابل ومع تضارب التصريحات الرسمية العراقية نفسها حول هذا الموضوع مابين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ، وحتى بين رئاسة الوزراء وتصريحات وزير الخارجية حول ضلوع القاعدة وعدم إستثناء إيران من تدخلاتها في الشأن العراقي . وإلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك . فإنه لايمكن لعاقل أن يصدق أن ماحدث خلال تنفيذ العملية كان يمكن أن يتم بدون أصابع داخلية سهلت للشاحنات المفخخة الدخول الى المنطقة الخضراء ، وكما ذكر من خلال مواكب رسمية لاتخضع للتفتيش عادةً .. هذا من الناحية العملية .. أو أن الأمريكان وبأحدث تقنياتهم وأجهزة إستخباراتهم لم يكونوا على علم مسبق بما سيحدث أو على الأقل التكهن بذلك والتهيؤ له .. وأذهب شخصياً الى أبعد من ذلك لأقول أن ماحدث على حساب الأرواح العراقية البريئة والممتلكات الرسمية العراقية ما كان إلا جزء ضروري قبل الإنتقال الى الصفحة التي تلت الأحداث ولحساب الخطط الأمريكية الجديدة .. وكما سنرى .
ـ  ونبدأ بالدور التركي في المنطقة . ولكي نستطيع ربط الحاضر والمستقبل بالماضي القريب فيما يتعلق بإبراز أهمية تركيا .. علينا أن نعود الى أيام أحداث الإجتياح الإسرائيلي الأخير لقطاع غزة وما نجمَ عنه من فضائع إنسانية وتدمير شامل للبنى التحتية وحياة المواطن الفلسطيني .
كما نعلم أن تركيا ترتبط مع إسرائيل ومن مدة طويلة بعلاقات سياسية وإقتصادية متميزة ، وتسعى إضافة الى كونها جزء من حلف الناتو العسكري ، الى أن تأخذ مقعدها ضمن المجموعة الأوربية ولإسرائيل كما هو معروف تأثيرها على القرار السياسي الأوربي والأمريكي .. ولكن الذي حدث خلال وبعد أحداث غزة كان موقفاً رسمياً تركياً تبناه وعلى أعلى مستوى السيد طيب رجب أوردوغان رئيس الوزراء التركي بشجب العمليات العسكرية الإسرائيلية والسياسة الإسرائيلية بشكل وصل الى الإهانة الشخصية لشيمون بيريز رئيس إسرائيل في مؤتمر دارفوس وانسحاب أوردوغان من المؤتمر وسط دهشة أجهزة الإعلام ، الأمر الذي ماكان ليقوم به شخص بوزن أوردوغان السياسي والدبلوماسي وبهذه الطريقة ..! ، والأمر الذي لم تجرأ أية حكومة عربية أو مسؤول عربي على القيام بمثله أو بأقل منه ، مع أننا سمعنا البعض من تلك الحكومات العربية ، وممن تربطهم أيضاً بالولايات المتحدة أو حتى إسرائيل علاقات من نوع ما ، بتمجيد بذلك الموقف وكذا فعلت معظم صحافة وإعلام تلك الدول ! وبالطبع لقي ذلك الموقف إرتياحاً وإعجاباً في الشارع العربي عامةً والفلسطيني على وجه الخصوص .. في حين سكتت إسرائيل ..!
كانت تلك هي الخطوة الأولى والمهمة التي سبقت دخول تركيا على الخط فيما يتعلق بلعب دور الوسيط والراعي للمحادثات السورية الإسرائيلية . تلك المحادثات التي لاتزال جارية ، والتي كان آخر تعليق عليها من قبل الرئيس السوري السيد بشار الأسد ، أنه يقف مع الموقف التركي من تلك المباحثات . ثم قيام تركيا وبدور مماثل لحلحلة الأزمة بين سوريا والعراق ..!
جزئيات وتفاصيل هذه المباحثات ، وأعني على وجه الخصوص المباحثات السورية / الإسرائيلية لازالت بالطبع يلفها الغموض حتى الآن ، ولكنني أرى أنها تسير وفق جدول زمني دقيق وستؤتي ثمارها إن عاجلاً أو آجلاً . وهذه ال ( آجلاً ) لاأعتقد أنها ستطول كثيراً .
فماذا يعني ذلك ..؟
يعني وببساطة تغير وضع الخريطة السياسية فيما يتعلق بكل من لبنان وحزب الله ، وبالتالي إيران ، وكذلك الوضع العراقي الداخلي وخصوصاً ما أصبح يشكله العبء الكردي على أميركا وحتى إسرائيل خصوصاً إذا ما تم إتفاقها مع سوريا .. وأيضاً على الدور التركي في المنطقة .
الأتراك ماكانوا ليضطلعوا بدور كهذا بدون شروط ومساومات من جانبهم ومنافع تعود عليهم وتلك أصول اللعبة السياسية منذ وجدت .. أي المصالح المتبادلة سواء فوق الطاولة أو تحتها ..!!
أما المراقب للوضع الفلسطيني ، وخصوصاً مايتعلق بحماس ، والتي أُخرجت من خنادق المقاومة الى ألاعيب السياسة والإنتخابات ثم الفوز بتلك الإنتخابات وبالتالي شطر الساحة الفلسطينية الى شطرين فإنه يرى أن قيادات حماس قد تم جرها الى المطب الإيراني ضمن خطة ضرب غزة ومن خلال زياراتهم لطهران والتي تمت وفق تصورات عاطفية منها أكثر منها عقلانية ، وبالتالي أصبحوا في الصف الإيراني وجزء من محصلة النتائج المستقبلية للمنطقة مع أنهم لم يأخذوا من حزب الله ذراع إيران في المنطقة خلال العدوان على غزة أي دعم إيجابي اللهم إلا أنه قد أطربت أسماعهم كما يبدو خطب حسن نصر الله النارية وتهديده بضرب تل أبيب بالصواريخ !

ـ  إيران ، وبعد مايبدو من قرب إنتهاء الزواج الأمريكي ـ الإيراني الذي إمتد لعقود وتمت خلاله إنجابات وإجهاضات أيضاً من ضمنها النظام العراقي الجديد والإحتلال الأمريكي للعراق . تم البدء بعملية تقليم أظافرها مع بدء الإنتخابات الإيرانية الأخيرة والتي لم تنتهِ بعد كما يشتهي وكان يأمل نظام ولاية الفقيه .. مروراً بالمحادثات السورية / الإسرائيلية برعايةٍ تركية .. والبدء حسب تقديري بعملية سحب البساط من تحت أرجلها وأبرز مافي ذلك هو محاولة تقويض الدعم الروسي لإيران بعد سلسلة من الزيارات المتبادلة بين الأمريكان والروس تم تتويجه في 17/9  بإعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما بتجميد العمل بإنشاء منظومة الدرع الصاروخي في بولندا . وكلمة تجميد هي لغة دبلوماسية مهذبة لكلمة إلغاء المشروع وهو ماكان العقبة الرئيسية في التقارب بين البلدين العملاقين يعيد لروسيا مكانتها ولعب دورها في السياسة الدولية ، ويسمح لأميركا قطف ثمار هذا التنازل للرغبة الروسية . والسؤال هو : هل سيكون إيقاف الدعم الروسي لإيران هو أحد أهم هذه الثمار في الخطوة الأمريكية ..؟
قبل 24 ساعة ، من إعلان أوباما لقراره حول الدرع الصاروخي .. أدلى وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بتصريح غريب ومهم لصحيفة ( يديعوت أحرونوت ) الإسرائيلية قال فيه بالحرف الواحد ( أنه لايعتبر إيران مصدر تهديد لبلاده ، وأن إيران لاتشكل قضية وجود لإسرائيل وأنه لايتفق مع الذين يعتقدون ذلك )
هذا التصريح ومن شخص مثل باراك سياسياً وعسكرياً ، يعتبر مغايراً لكل التصريحات السابقة للمسؤولين الإسرائيلين وما تعودنا على سماعه من القادة الإسرائيلين مِن أن إيران وبرنامجها النووي هو تهديد يعرض وجود إسرائيل للخطر ..!!
ثم أعقب ذلك وخلال أيام تصريح ميليديف الرئيس الروسي أنه لايعتقد بأن إسرائيل ستقوم بضرب إيران عسكرياً ..!
فهل إستبق باراك الإسرائيلي الأحداث بما لانعرف قبل أن يتخذ باراك الأمريكي قراره المهم بشأن الدرع الصاروخي الأوربي ..؟؟
وهل جاء التصريح الروسي حقنة التخدير الأولى لنظام طهران الذي لايزال لايستطيع السيطرة على الشارع الإيراني نفسه بعد الإنتخابات ..؟  وقد رأينا  وسمعنا بما حدث في ( يوم القدس ) في طهران وهو خير دليل على ذلك ، من مصادمات بين المتظاهرين من مناوئي النظام والحرس الثوري الإيراني الحكومي ، والذي وصل الى حد منع وصول موسوي الى منطقة التظاهر .. والإعتداء بالضرب على ( سيد ) يرتدي العمامة السوداء والرئيس السابق للجمهورية الإسلامية ، محمد خاتمي ..!!

ـ  ماذا إذاً عن الإنتخابات العراقية القادمة في كانون الثاني 2010 ..؟
المجلس الأعلى حاول ونجح في إستقطاب عدد من الأحزاب والكتل الدينية وغير الدينية ضمن الإئتلاف الجديد .. وعمار الحكيم لايزال يردد دعوته في إنضمام حزب الدعوة ويقصد المالكي الى هذا الإئتلاف !
حزب الدعوة من جانبه وعلى لسان علي الأديب أعلن يوم أمس 20/9 ، أن إئتلاف دولة القانون لاينوي الإنضمام الى الإئتلاف الجديد ..!
المالكي ومن خلال إئتلاف دولة القانون نجح في كسب الأصوات في آخر إنتخابات للمجالس المحلية للمحافظات ..!
الإئتلاف الكردستاني هذه المرة لم يعلن عن إنضمامه الى إئتلاف حكومة بغداد أو الإئتلاف الجديد وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى منذ سقوط العراق تحت الإحتلال ..!
الحزب الإسلامي هو الآخر في موقف لايحسد عليه وخصوصاً بعد أن أعلن طارق الهاشمي أن الحزب بالنسبة له أصبح تاريخ وأنه بصدد دخول الإنتخابات بقائمة مستقلة ..!
ولكن .. فوق كل ذلك ، فإن نبض الشارع العراقي ومن خلال الناس البسطاء وهم الأداة الإنتخابية التي لايمكن إغفالها لايزال يقف موقف الريبة من الأحزاب الدينية وخصوصاً المجلس الأعلى الإسلامي والمتحالفين معه من أحزاب وكتل دينية أو علمانية كأحمد الجلبي الذي تسبقه سمعته السيئة وتاريخه كلص دولي ودوره فيما جرى على العراق من ويلات نتيجة الإحتلال ، والتي دفعته الى الإنضواء تحت راية المجلس الأعلى ، أي بكلمة أخرى فشل مؤتمره الوطني ككتلة مستقلة ..!
والأهم ، أن من يقود السياسة العراقية الحقيقية وهم الأمريكان .. وأمام الخطط موضع التنفيذ والتي أشرت اليها سواء فيما يتعلق بالعراق أو المنطقة بشكل عام وتحت ضغط الإنهيار الإقتصادي العالمي .. هم بحاجة الى تجميد الوضع العراقي في الوقت الحاضر الى حين .. ولاأجد أمامهم خيار أفضل من بقاء حكومة ضعيفة في العراق وشخص مثل نوري المالكي لإبقائه في الوقت الحاضر على رأس الحكومة .!
رأي صائب يحتمل الخطأ .. أو ربما رأي خاطئ يحتمل الصواب ونحن نطرح مجرد قراءة سياسية للوضع العراقي خصوصاً .. ولكنني أجده الخيار الذي سوف يؤخذ به ولحين تنفيذ كافة الصفحات الأخرى من الخطط الجديدة .
هكذا تعلمنا من السياسة الأمريكية في إستنفاد أدوار شخوص مسرحياتها السياسية الفاشلة ، قبل أن تنزل الستار عليهم .
وحينها سوف يعاد ترتيب رقعة الشطرنج من جديد إستعداداً  لجولة أخرى وتصفيات جديدة قادمة . وإذا ماأصرت الولايات المتحدة على إغفال الدور الوطني العراقي المتمثل بالأحزاب والشخصيات والمقاومة الوطنية ، فإنها تكون قد إختارت الغوص في المستنقع العراقي ، وبعد أن أصبحت في الوقت الحاضر شبه وحيدة في قوات ( التحالف الدولي ) التي غزت العراق قبل قرابة سبع سنوات وبعد أن تساقطت مبررات الغزو الكاذبة الواحدة تلو الأخرى أمام العالم .. وبعد أن سقط العديد من الخونة ممن كانوا يوماً أدوات تنفيذية فاعلة لسياستها في العراق ولم يكن هذا الإسقاط يوماً بالمفاجئ لواضعي السياسة في البيت الأبيض وكواليسه ..!!
21/09/09

No comments:

Post a Comment