Friday 18 May 2012

المأسآة العراقية حقائق مخفية وتضليل معلن





لستُ عرّافاً فأستبق أحداثاً وأقدمها للقارئ من عالم الغيب .. فأنا أتحدث عن سلسلة من الأحداث السياسية وقعت وكان لها أسبابها ومسبباتها وأفرزت لنا مانحن نعيشه اليوم ، وأقوم كما يفعل غيري بتحليلها لإستنباط ماقد نعيشه في الغد .

لست سياسياً بالمفهوم التنظيمي وبمستوى رفيع وعالٍ لكي أدعي أنني أمتلك في جعبتي ما لا يعرفه الآخرون فبعض ماسأذكره عاشه وتعايش معه مَن هم في جيلي ، ثم بعد وقوع المأساة تم ربط المعرفة بما حدث وتكشفت لدى البعض بعض جوانب الصورة .

لست سوى عراقي من جيل المآسي والنكبات وشطحات السياسيين والقادة .. تركَ العراق مغترباً منذ ثلاثة عقود من الزمن الصعب وصقلته مراقبة تداعيات وطنه وهو في الغربة فتسنى له متابعة مايحدث من خلال ماكان محظور من الإطلاع عليه في السابق حتى وجد نفسه يغوص في أعماق مااعتقد البعض أنها حقائق واكتشف أنها ليست سوى أكاذيب وتضليل إعلامي مقصود تم إعلانها بشكل مكشوف إمعاناً في التضليل ..
ولمعرفتي أن مايصدر من إعلانات الصالونات السياسية ليست أكثر من تلك الإعلانات التي تروج للأفلام السينمائية وأبطالها ، وأن إعتمادها كمادة تحليل سياسي من قبل الكتّاب والمحللين السياسيين هو الهدف بحد ذاته من وراء ترويجها ونشرها ، فقد تعلمت أن أبحث وأنا أغوص لحد الإختناق في مسببات حدث معين لكي أخرج بمحصلة ناتجة عن تصريح سابق لأوانه أو تسريب لخبر أو وقوع الحدث لاحقاً وبالصورة المغايرة تماماً لما كان متوقعاً .

لعلي هنا أتساءل ، وهذا على سبيل المثال فقط ، عن تصريح ماضٍ عمره قرابة عشرون عاماً ( 1991) ولا يزال ساري المفعول في الوقت الحاضر أيضاً ، وكم منّا وخصوصاً نحن العراقيين وبالأخص ساستنا قد قرأه أو قد توقف عنده ، وكم منّا قد تابع ولايزال يتابع تطبيقاته وتداعياته ..
دعوني أذكركم به .. وهو ليس أكثر من مثل واحد كما قلت ، سأعتبره مدخلاً لموضوعي هذا :

كان المدعو جوزيف بايدن يشغل مقعد سيناتور عن الحزب الديموقراطي الأمريكي آنذاك ( 1991 ) وفي زمن ولاية جورج هيربرت بوش أو بوش الأب كما أطلق عليه لاحقاً ..
قدّم مشروعاً متكاملاً ضمن ماسمي بالشرق الأوسط الجديد يتضمن تقسيم العراق بالذات وبشكل صريح وقد نشرته مؤسسة ( راند ) الأمريكية ، مع تعليق مدير المؤسسة وصديق بايدن ، المدعو فاولر ، وهو أيضاً من سياسيي الظل الأمريكان .. يتسأل فاولر : (هل سيبقى العراق موحداً عام 2002 ..؟ ) ـ لاحظ التاريخ المقارب لتاريخ إحتلال العراق عام 2003 ـ

أما جورج بوش الأب ، الرئيس الأمريكي آنذاك ، وبعد أن فَرض الحصار على العراق ، فقد قال بتصريح نشر له بعد لقائه عدد من أعضاء مجلس الأمن ، وهو الذي عرف عنه بتحمسه لمشروع جوزيف بايدن ، قال : ( إن تقسيم العراق هو المخرج الوحيد من المأزق ..!! )

ثم ماقاله بايدن نفسه في رده على تصريح جوزيف أدوردز من معهد ( بروكينكز ) الإستراتيجي وبالنص : ( أنه إذا لم يتم التخطيط جيداً لعملية تقسيم العراق فإن ذلك سيؤدي الى حالة عدم إستقرار بل وسيهدد بإنتشار الفوضى ) . وأضاف مقارناً وضع العراق مع البوسنه بالقول : ( إن جيران البوسنه صربيا وكرواتيا يريدان تقسيمها ، بينما أشك أن جيران العراق يريدون ذلك ..!! )

جوزيف بايدن هذا كما هو معروف هو اليوم نائب الرئيس أوباما ( الديموقراطي ) كما كان من المقربين جداً من بوش  ( الجمهوري ) على الرغم من كونه من الحزب الديموقراطي ، وهواللاعب الأساسي كما نلاحظ الآن في المأزق العراقي وزياراته المعلنة وغير المعلنة الى العراق كثيرة منذ توليه منصبه .
بل أن الأدهى من ذلك ، أن يختار الرئيس أوباما ، روبرت غيتس من الحزب الجمهوري المعارض ووزير دفاع بوش الأبن ، وأحد مهندسي إحتلال العراق مع دونالد رامسفيلد ، وزيراً للدفاع في ظل إدارته بعد أن ذهب مجرم الحرب بوش ..!! وهي سابقة ربما الوحيدة من نوعها في تاريخ الإدارات الأمريكية خصوصاً عندما يكون المنصب سياديا كمنصب وزير الدفاع في دولة تقود أكثر من حرب على أكثر من جبهة ..!

أتساءل ..أين كان ساستنا من هذه الأنشطة والخطط المعلنة على الأقل ..؟ وأين كانت أجهزة مخابراتنا وإستخباراتنا لمعرفة المزيد عن غير المعلن منها ..؟ وما هي المواقف المتخذة حيال ذلك ..؟
لاشيء على الإطلاق ..
ونحن نتكلم هنا عن فترة زمنية مقدارها إثنا عشر عاماً حتى سقوط العراق تحت الإحتلال العسكري بآلة الحرب الأمريكية المدمرة وبعد أن أعلن عنها بشكل مباشر وغير مباشر لمن يريد أن يقرأ وعلى لسان الساسة الأمريكان كما ذكرنا ، وبعد أن تم البدء بتطبيقها من خلال حصار قاسٍ وحقيقي على مدى سنوات لم نسمع أونعلم ماقد تم إتخاذه من أفعال لغرض رفعه ـ وأنا لاأتكلم هنا عن التصريحات والأمم المتحدة ومجلس الأمن ـ  بل أتكلم عن أفعال معلنة أو غير معلنة ، وأن المساومات والإتصالات واللعب بورقة التنازلات عندما يتطلب الأمر والموقف ذلك من أبجديات السياسة.. والحرب خدعة كما يقال .
أكرر .. لاشيء على الإطلاق ..

متى سنتعلم أن نقرأ ..؟
ومتى سنتعلم أن لاننسى ..؟

وتستمر اللعبة السياسية الماهرة منذ 2003 ولحد يومنا هذا .. ولاتزال .. ، ولانزال نتناول تحليل الأحداث بما هو معلن أو مسموحٌ إعلانه لنا حتى تشابه الأمر علينا كما تشابه البقر على بني إسرائيل .

بدأت الحرب على العراق في آذار 2003 بقيادة أمريكية وجيوش أمريكية مع وحدات قتالية لاتذكر من هذه الدولة أوتلك لغرض منحها الشرعية الدولية . ولقد سبق تلك الحرب التي تحركت قطعاتها الأرضية لدخول العراق من دولة ( شقيقة ) وانطلقت صواريخها المدمرة من قاعدة أمريكية في دولة ( شقيقة ) أخرى أو من البوارج الأمريكية في الخليج الذي لازلنا نتناظر ونتنازع على تسميته : هل هو الخليج العربي أم الخليج الفارسي أم نكتفي ( بالوسطية ) الخليجية فنسميه الخليج فقط !!
سبق ذلك الهجوم عملية بناء قاعدة إسرائيلية قوية في شمال العراق أو مايسمى كردستان العراق أو الإقليم حالياً .. قاعدة عسكرية وسياسية ومخابراتية تعلم تفاصيلها تماماً حكومات دول الجوار ..
أما العربية منها ، فأسباب سكوتها معروفة .. أما تركيا فكانت تحقق فوائد إقتصادية من ورائها ومن أكثر من مصدر فمع حكومة بغداد من خلال المنفذ الوحيد الذي بقي لديها لتصدير نفطها مقابل الغذاء وذلك عن طريق ميناء جيهان التركي ، ولتصدير بضائعها لها بالمقابل بعد دفع الأتاوة لحكومة الإقليم .. ومع حكومة الإقليم نفسها لسد إحتياجاتها . والإقتصاد كما هو معروف هو المتحكم بالسياسة دائماً على الرغم من وجود تناقضات حادة في وجهات النظر كما هو حال تركيا والأكراد ، ولعل هذا بعض ماعنيته عندما ذكرت الحوارات والإتصالات وحتى المساومات في اللعبة السياسية ، والتي لم تأخذها بنظر الإعتبار سياستنا الخارجية وساستنا آنذاك .
الدولة الأخرى ، وهي الأخطر ، فهي إيران التي كانت ترتبط بإتفاقات مصالح متبادلة تحت الطاولة مع الأمريكان وهي تعلم بما كانوا يبيتونه من إحتلال عسكري للعراق ، وقد تعاونت معهم في ذلك كما أقرت هي لاحقاً .
ولكن ، علينا هنا أن لاننسى حقيقة مهمة ، وهي أن إيران الخميني قد تعاونت عسكرياً مع إسرائيل خلال حربها مع العراق بما عرف بإيران كونترا أو إيران كيت ، في وقت كانت أميركا وحلفائها من دول الخليج تساند العراق في تلك الحرب بشكل أو بآخر .. إستخبارياً وماديا وعسكرياً .
فهل كان ذلك يعني أن إسرائيل قد وقفت بالضد من أميركا في تلك الحرب ..؟
الجواب طبعاً : كلا .
التعاون الإسرائيلي ـ الإيراني والدعم الأمريكي ـ الخليجي للعراق وجهان لعملة واحدة قيمتها تساوي إطالة أمد الحرب وإنهاك البلدين . وفي لحظة توقف الحرب عام 1988 ، كان هناك تحالفين جديدين إيراني ـ أميركي ، وأيضاً إسرائيلي ـ إيراني . كان كلاهما غير معلن بالطبع وكان لابد من تنفيذ مضمونهما وأهدافهما من الإستعانة بسبب يُعلن للرأي العام ومبرر مقنع للمجتمع الدولي ، فكانت الكويت الإختيارالأمثل لذلك ، فبدأت بتنفيذ ماطُلب منها وممارسة ضغوطها على عراق مابعد الحرب العراقية ـ الإيرانية .. فكان غزو العراق لها في آب 1990 .
 لقد لعبت كلٌ من إسرائيل وإيران دورهما بمهارة في مؤامرة العصر .

وقبل أن أسترسل مع الأحداث وتداعياتها ، لابد من وقفة قصيرة نتساءل خلالها .. لماذا إختارت إسرائيل إيران لتتحالف معها ، وقبل ذلك وبسنوات عديدة ومنذ خمسينات القرن الماضي كان قد وقع إختيارها على القيادات الكردية في شمال العراق ؟

إسرائيل في سعيها لتفتيت أقوى عروتين تربط الدول العربية وهما الإسلام والقومية العربية إختارت أداة تنفيذ ذلك من داخل المنظومة الإسلامية والعربية ، أي نسفها من الداخل ، مستفيدة من إرتباطات حكامها بأميركا بعد تصفية (المارقين) منهم عن هذا النهج من الحكام العرب . فقامت بضرب القومية العربية والنَفَس الوحدوي العروبي لدى بعض الأحزاب القومية وبعض الحكام بواسطة الأقليات غير العربية داخل هذه الدول باستثمار كراهيتها لفكرة القومية العربية وللعرب بشكل عام .. وأبرز من يمثل ذلك في العراق هي القيادات الكردية المتعصبة قومياً والداعية الى الإنفصال فقامت بتمويل حركات تمردها على حكومات المركز ومنذ البداية سواء بالسلاح أو الدعم الإستخباراتي أو اللوجستي ، إضافة الى التنسيق السياسي معها ودعوة قادتها الى زيارة إسرائيل وقيام قادة إسرائيليين لاسيما رؤساء المخابرات بزيارات مستمرة للمنطقة الكردية ثم التمركز فيها علناً بعد 1991 .

أما مايتعلق بضرب الترابط الإسلامي على الأرض العربية فليس أفضل من إختيار التطرف التشيعي الصفوي لذلك ، ولغرض تحقيقه كان لابد من الإطاحة بشاه إيران العلماني القومي الفارسي وإستبداله بنظام يقوم على الإسلام وتحت يافطة الجمهورية الإسلامية .. وقصة وصول الخميني الى طهران تحت حماية الغرب وإسرائيل معروفة وما تلا ذلك من أحداث حتى يومنا هذا في الأزمة التي يمر بها العراق يؤكد ذلك ، إضافة الى إستمرار الغلو الإيراني وتحت شعارات إسلامية في تصدير ( ثورته ) الى دول المنطقة : اليمن ، الخليج ، سوريا ، لبنان ، السودان ، وشمال أفريقيا  .. وأخيراً وليس آخراً التهديدات الجوفاء وبشكل مسرحي بين الطرفين في مسألة النشاط النووي الإيراني ..!! 

وبالعودة الى موضوعنا وتسلسله تاريخياً وما نتج عنه من تداعيات رئيسية وإفرازات جانبية نقول :

من المعروف أن أميركا وخلال الأسبوع الأول من دخول القوات العراقية الى الكويت لم يصدر عنها أي رد فعل يناسب حجم ماحدث .. وقد نشر لاحقاً وبعد الحرب أنه كانت هناك قناة أميركية مفتوحة على العراق من خلال سفيرتها في بغداد ابرل كلاسبي وذلك قبل دخول القوات العراقية الى الكويت أعطت فيها أميركا الضوء الأخضر للعراق لإحتلال حقول نفط شمال الكويت .. الأمر الذي أكده على الهواء إضافة الى مانشرته السفيرة إبرل حوله ، وفي مناظرة تلفزيونية بعد سنوات من الحرب وبمناسبة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية ، المرشح المستقل للرئاسة روس بيرو الذي قال أنه يمتلك الوثائق لذلك  مشيراً الى جورج بوش الأب المرشح الجمهوري للرئاسة وذلك حينما كان الأخير يشغل منصب رئيس وكالة الإستخابرات المركزية الأمريكية وكان يقف معه على المنصة الى جانب بيل كلينتون المرشح عن الحزب الديموقراطي ..
في ذلك الأسبوع الأول تحديداً طارت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا آنذاك وهي المعروفة بميولها الصهيونية الى واشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكي في خطوة كانت كما يبدو بدفع وضغط إسرائيلي ، ولم تعد منها إلا بقرار شن الحرب على القوات العراقية في الكويت تحت مظلة الأمم المتحدة حيث شاركت فيها عدة دول حتى بعض الدول العربية  ، ثم بدء الهجوم البري الأمريكي على العراق في كانون الثاني 1991  والذي توقف فجأة بأمر من البيت الأبيض الى قائد القوات الأمريكية تشوارسكوف . ليتم إدخال العراق بعده تحت الحصار الشامل بما في ذلك الحظر الجوي على سمائه الإقليمية .

أستطيع أن أقول أن اللاعب الأول في تلك الحرب كانت إسرائيل وأداتها الرئيسية وبالنيابة عنها كانت أميركا وقوات التحالف التي ضمتها أميركا اليها بقرار أممي .

نفس السيناريو تمت إعادته في إحتلال العراق عام 2003 وبالتنسيق الكامل مع إيران والكويت وبالأداة الأمريكية ولكن تحت ذريعة مختلفة .. فأصبح لدينا الآن ونحن في السنة الثامنة للإحتلال مثلث تحالفي وتآمري خطير يتكون من إسرائيل وإيران والكويت خارجياً .. ومتشيعي إيران ومريديها في الحكومة العراقية وزعامات أكراد العراق داخلياً .

قد يقف البعض هنا ليوجه لي سؤالاً أو ربما إتهاماً : أنني كمن يحاول إخراج أو تبرئة أميركا من كل ماجرى لحد الآن .! 
وأقول بكل صراحة أن جوابي هو : كلا  فيما يتعلق بالتآمر على العراق والقيام بغزوه عسكرياً .. ولكن يجب أن لايغيب عن ذاكرتنا أن الموقف عام 2003 هو غيره عام 2010 .. وأنه قد تغير من عملية إحتلال لإسقاط نظام ديكتاتوري وتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية  ثم السيطرة على النفط وتنصيب حفنة من اللصوص والعملاء لحكم البلد .. الى مشروع إستراتيجي أبعد من ذلك تقوده حالياً إسرائيل بمساعدة إيران والكويت ليحقق لها أهدافها التاريخية التوراتية في العراق من جهة ، ومن جهة ثانية تنفيذ أهداف سياسية مهمة تقوم على تقسيم جديد للمنطقة العربية ضمن مشروعها الصهيوني الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته قيادات بارزة في الإدارة الأمريكية كالعادة مدعومة باللوبي الصهيوني أو موجة المحافظين الجدد كما أصطلح على تسميته والذي أخرجه ويسعى في تنفيذه جوزيف بايدن الذي نصّبه النفوذ الصهيوني نائباً للرئيس الأمريكي الحالي وقد يصبح الرئيس مستقبلاً بطريقة أو بإخرى .

أميركا حالياً تسعى الى التخلص من مأزقها في العراق بما يحفظ ماء وجهها وبعد أن حققت لإسرائيل وبالنيابة عنها هدف مهم واستراتيجي .
أميركا أصبحت في موقف لاتحسد عليه في أفغانستان .
أميركا والعالم الرأسمالي واقع تحت وطأة كساد مالي قاتل طويل الأجل كما يبدو .

إذا أخذنا النقطة الأولى فمن الواضح أن هناك إصرار أمريكي على إنسحاب أولي أو تخفيض للقوات المتواجدة في العراق وهذا نتاج عوامل عديدة منها ماذكرنا ومنها الخسائر الأمريكية المتوالية ماديا وبشرياً .. وما يهم أميركا الآن هو الإبقاء على قواعد عسكرية هنا وهناك في العراق وهذه لاأظن أنها ستغلق في يوم من الأيام على الرغم من الإدعاءات الأمريكية من أنها ستنسحب كلياً عام 2011 .

العبئ الأميركي يزداد يوماً بعد يوم في أفغانستان ويبدو أن ضغوطها على باكستان لم تعد ذات فائدة إضافة الى فشل حملاتها العسكرية على قندهار وهلمند مما دفعها مؤخراً الى محاولة مغازلة طالبان من أجل الوصول الى حل لمأزقها المتأزم هناك .

أما مايتعلق بالأزمة الإقتصادية العالمية والتي كان أكبر مَن عانى منها هي اميركا وبريطانيا ، فالأرقام في هذا الصدد تتحدث بلغة لاتتفق منطقياً مع مصلحة أميركية في إستمرار الوضع الفوضوي السياسي في العراق .. أما بريطانيا فقد حزمت حقائبها ورحلت بعد قراءة مستفيضة للموقف ومن الناحية الإقتصادية بالذات .
على سبيل المثال :
تم تخصيص مبلغ مقداره 450 مليار دولار من أموال النفط العراقي الهدف منه الصرف على مشاريع إعادة البناء والتعمير لسنوات قادمة . هذه الأموال الخرافية وأكثر منها ستذهب في معظمها الى شركات أميركية في الدرجة الأولى مثل هيلبيرتون ، ولكن بالمقابل فإن هذه الأموال لاتزال مجمدة وغير مستخدمة بسبب فقدان حالة الأمن في العراق وعدم إستطاعة الشركات الأمريكية من العمل هناك . ولنتصور حجم مساهمة هذه الأموال العراقية في تعديل الميزان التجاري الأمريكي .. ولنتصور على سبيل المثال أن العجز في الميزانية البريطانية قد بلغ 156 مليار دولار ولايزال يتصاعد .. فكم سيساهم أي جزء من أموال الإعمار العراقية تحصل عليه الشركات البريطانية في سداد الديون البريطانية ..؟

هذه الأرقام كلها .. لاتعني شيئاً لإسرائيل التي تتحكم بالأسواق المالية العالمية صعوداً ونزولاً منذ أن خُلقت الرأسمالية لفرض هيمنتها السياسية على أميركا وغيرها من أجل مصالحها الإستراتيجية في المنطقة والتي إبتدأت بالعراق وهي معادلة مفهومة بالنسبة للأمريكان والإعتراض عليها هو الخط الأحمر لكل من يجلس على المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ..
وهذا هو التقاطع الحالي بين السياستين الإسرائيلية والأمريكية ووراءها يكمن الإصبع الإسرائيلي في التدمير الذي يحصل في العراق وبالتنسيق مع إيران والكويت لهذا الغرض .

إيران وقد عرف القاصي والداني تدخلها السافر في الشأن العراقي وعلى كافة الأصعدة ومن خلال أبنائها وعملائها الذين جلبتهم قوات الإحتلال .. ولكن قد يكون هناك من يتساءل .. لماذا الكويت ..؟

ـ الكويت أدخلت عبر أراضيها القوات البرية الأمريكية وغيرها بما في ذلك عملاء الموساد الإسرائيلي الى العراق . 
ـ الكويت وخلال فترة الحصار على العراق وما بعد الإحتلال شرعت بعمليات سرقة منتظمة للنفط العراقي من الحقول النفطية العراقية المجاورة لأراضيها .
ـ الكويت مارست كل أنواع الضغط الإقتصادي على العراق لحصار العراق وإذلاله حتى بعد سقوط النظام السابق المعادي لها بما في ذلك موضوع البند السابع وإستمرار طلب التعويضات من العراق والحصول عليها ، وآخرها موضوع الإستيلاء على أية طائرة تعود ملكيتها للخطوط الجوية العراقية ، وحتى بعد أن تم الإعلان عن إفلاس الشركة وحلها ، صرح المسؤوليين الكويتيين وبكل وقاحة أنهم سيمارسون حقهم في الإستيلاء على أية طائرات مدنية تابعة للعراق وتحت أي مسمىً لخطوطها الجوية
ولو تكلمنا مجدداً بلغة الأرقام هنا لعلمنا أن ماسيصرفه العراق لشراء طائرات تجارية من نوع بوينغ الأمريكية  قد قدّر ب 11 مليار دولار .. فهل أوقفت أميركا صفقات تجارية وبهذا الحجم من أجل عيون الكويت وإرضاءاً لها .. !؟
ـ الكويت ساهمت وبشكل فعال بدعم وتمويل شبكات إرهابية تخريبية وأدخلتها الى العراق وبالتنسيق مع الأجهزة الإيرانية ولازالت تعمل على ذلك ، الأمر الذي تستثمره إيران وحكامها في العراق على الوجه الأكمل .
ـ الكويت قامت بكل ماقامت به في فترة الإعداد للغزو الأمريكي للعراق بتنسيق كامل مع إيران وذلك لغرض كسب الود الإيراني بعد أن كان النظام الإيراني قد لوّح مراراً الى تعاون الكويت مع صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية في خطوة إستباقية مدروسة وموجهة الى الجبن القابع في العقلية الكويتية الحاكمة ..
ـ الكويت لازالت تتمسح بالأكتاف الإيرانية ، ولعل حادثة إكتشاف الأجهزة الأمنية الكويتية لشبكة التجسس الإيرانية مؤخراً خير دليل لما نقول .. فبعد الإعلان عن ذلك رسمياً سارع جاسم الخرافي رئيس البرلمان الكويتي وعلى الأغلب بأمر من أمير الكويت الى السفر الى طهران لتقديم فروض الطاعة وإعتذاره لهم رسمياً وعلى المكشوف عما نشرته وسائل الإعلام الكويتية ..!!
لم يكتفِ الخرافي بذلك بل جلس أمام عدسات محطة تلفزيون العالم الإيرانية التي تبث باللغة العربية ليقول وبملأ فمه : أنه لاعلاقة لإيران بشبكة التجسس التي تم الكشف عنها مؤخراً في الكويت وأنه لابد من وجود لبس في الموضوع ومع ذلك فسوف تحقق السلطات الإيرانية معهم لمعرفة مصادر الشبكة التجسسية ( يعني أن إيران ستحقق في شبكة تجسس أكتشفت في دولة ذات سيادة كالكويت وتعمل الشبكة كما أعلن لصالح إيران ..!! ) فهل رأيتم جبناً وذلاً أكثر من هذا الذي أعلنه هذا الخرافي ..؟؟

هل هناك مايمكن قوله بعد كل هذا عن الدور الكويتي ، وبأمر مَن .. ولصالح مَن .. يعمل حكامها ..؟

هل يُعقل أن اميركا التي تحتل وتحكم العراق لاتستطيع أن تفرض رأيها على الحكومة الكويتية المحكومة أمريكياً أصلاً ..؟
بالطبع لا .. ولكن ذلك يصبح ممكناً عندما نعلم أن السياسة الأمريكية محكومة باللوبي الصهيوني . وأن الكويت قد أصبحت أحد أضلاع مثلث تدمير العراق مع إيران وإسرائيل في هذه المرحلة من أجل تحقيق الأهداف الإسرائيلية في العراق والمنطقة وستبقى الأداة الطيعة بيدها حتى تلفضها الأخيرة.. وبعدها سيكون لكل حادث حديث .

والله المستعان
 
02/06/10 

No comments:

Post a Comment