Friday 18 May 2012

الإنتخابات العراقية .. حملات إنتخابية أم حملة إنتخاباتية ..؟




في عدد من المقالات نشرتها خلال الربع الأخير من السنة الماضية حينما كان مقرراً إجراء الإنتخابات العراقية في كانون الثاني 2010 ، تناولت فيها دراسة الإحتمالات المطروحة على الطاولة فيما يخص الإنتخابات وحظوظ المرشحين وكتلهم وأحزابهم ، والأهم هو عملية الإنتخابات نفسها وصناديق الإقتراع والنزاهة والشفافية والقوائم المغلقة والمفتوحة ، وكل ذلك كان قبل أن تبدأ عمليات الإجتثاث لمرشحين وقوائم إنتخابية والى آخر التقليعات التي جاء بها مصطلح ( العملية السياسية ) الجديد نفسه  .. ثم الأهم من كل ذلك وفوق ذلك بالطبع : الرأي والقرارالأمريكي ..؟
توقفت عن متابعة هذه السلسلة من المقالات إن صح التعبير وأنا أقف في آخر ماكتبت حول الموضوع عند ظاهرة جديدة في لعبة السياسة العالمية في المنطقة أطلقت عليها ( الإنتخابات .. هي سلاح الدمار الشامل كما يبدو ) مستشهداً بما حدث ويحدث في إنتخابات أفغانستان وإيران التي سبقت الإنتخابات العراقية .

إن إيماني العميق بما أقول ، ومحور حديثي ينطلق من أن الإنتخابات لم تكن يوماً وفي أي بلد محتل في العالم وفي أي حقبة من حقب التاريخ قديمه وحديثه هي طريق التغيير والتحرير ، إذ لايعقل وجود برلمان حر أو سلطة قضائية نزيهة أو سلطة سياسية وطنية ومع تفرعات وإفرازات كل هؤلاء من مسميات جديدة طارئة كما في مثل هيئات : نزاهة وإجتثاث ومساءلة ، ثم غياب قوى الدفاع الحقيقية المؤهلة للدفاع عن البلد وكذلك قوى الأمن الداخلي الحقيقية الفاعلة ، وإغماض الأعين عن أعمال لصوص السلطة وهدر الثروات والأموال العامة ، والتنازل حتى عن أراض عراقية نفطية .. لايعقل بعد كل ذلك أن يتم تحرير البلد أو أي بلد في العالم وجندي الإحتلال المدجج بالسلاح يقف فوق كل هذه السلطات ورجال الإحتلال يديرون ويسيرون سلطاته التنفيذية بصفة مستشارين وشركات ، في وقت يجني فيه سياسو المحتل ممن هم في الصورة أو في الظل لصالحهم ولصالح دولهم الأرباح ونهب ثروات البلد والتنازل عن بعضها لقاء إتفاقات مصالح غير معلنة كما هو الحال في حقل الفكة النفطي واستكمالاً لحرب تم التخطيط لها على مدى سنوات لتنتهي بإحتلال شامل وخراب كامل ..!
إعتبر البعض أنني أسبح ضد التيار في طروحاتي حين قلت أن نوري المالكي كما يبدو هو رجل أميركا للفترة الرئاسية القادمة ، في وقت كانت جميع المؤشرات تشير عكس ذلك في ظواهرها ، وعلى أية حال فالأيام والأسابيع القادمة ستكشف لنا الكثير !!

لقد إعترضت أميركا والغرب على ماحدث بعد الإنتخابات الإيرانية على سبيل المثال ووقفوا كالعادة يتباكون على حقوق الإنسان ويشجبون أعمال التزوير والقسوة والعنف الذي يمارسه نجاد ضد المعارضين . ونجاد هو ( عدو ) أميركا وإسرائيل والمتبني لمشروع السلاح النووي الإيراني ..!! وإذا بأزلامهم مثل رافسنجاني وخاتمي يعلنان تأييدهما للولي الفقيه ، وإذا ببقية شلة الإصلاحيين المعارضين له تتنصل من مواقفها فيقوم مير موسوي بالإنزواء خارج طهران ، ويعلن كروبي مؤخراً تأييده لرئاسة أحمدي نجاد ..!  وتسير العربة الإيرانية كما أًريد لها وضمن الإتفاقات غير المعلنة بين طهران وواشنطن منذ عام 1988 وحتى التنسيق بينهما لإحتلال العراق عام 2003 ، وهذا ماجاء على لسان ساسة إيران أنفسهم ، وكل ذلك لابد أن يكون مقابل ثمن ، وثمن باهض وها نحن نرى آثاره اليوم في العراق وسنراها غداً في مكان آخر ربما اليمن وربما البحرين وربما وربما ..!!

منذ أن بدأ الوطيس يحمى في ( المعركة ) الإنتخابية .. بدأنا نقرأ مستجدات وظواهر أعتبرها غريبة . ولاأعني بها ما يحدث من إجتثاث مرشحين وكتل سياسية للإنتخابات ، والتلويح بإجتثاث عشرات الآلاف من عسكريين وموظفين مدنيين بحجة ( بعثيتهم ) ، فهذه كلها أصبحت مادة إعلامية يومية وموجهة والشغل الشاغل في أحاديث السياسيين لإشغال عامة الشعب العراقي ومادة دسمة للمناقشات السفسطائية على الفضائيات المشبوهة المملوكة لهذا الشخص أو ذاك أو هذه الدولة أو تلك .. فهي إذن لايمكن أن تكون الإستراتيجية الحقيقية لما يجري فعلاً بل هي ناتج جانبي لما هو مخطط له فعلاً ، وقد سمح بها الأمريكان الذين يهيمينون على تسيير الدفة الحقيقية للحكم في العراق على الرغم من إعتراضاتهم الإعلامية وجولاتهم المكوكية والتي أنتجت لنا تصريحات طازجة غير متوقعة على غرار دفاع رئيس الجمهورية جلال الطالباني عن البعثيين ، والأدهى من ذلك تصريحات عمار الحكيم عنهم ودعوته بضرورة التفريق بين البعثي والصدامي ..!! فتأملوا .

إنني أنظر الى العملية من زاوية أخرى خارج زاوية مايحدث ويشغل تفكير الجميع حالياً .. تلك هي ماذا يُكتب بين السطور ؟  وما الهدف ، على سبيل المثال ،  من توقيت عمليات الإجتثاث قبل أسابيع من الإنتخابات ؟  وكأن إسقاط حكم البعث قد تم الآن وليس قبل قرابة سبع سنوات ..!

في الأشهر الأخيرة من العام الماضي 2009 ، بدأنا نقرأ ونسمع عن إحباطات الشارع العراقي وفقدان الثقة في إية إنتخابات قادمة ، والتلويح بمقاطعة الإنتخابات من هذه الجهة أو تلك .. ومن الطبيعي أن ذلك هو غير ماترغب فيه سلطة الإحتلال أو حكومتها في بغداد التي كانت قد أعادت ثقة المواطن بها بعد إنتخابات مجالس المحافظات تحت مسمى دولة القانون ، وقبل أن تنتكس هذه الدولة مجدداً في عيون المواطن العراقي نتيجة عدم الإيفاء بالوعود الإنتخابية وعودة حليمة الى عادتها القديمة المتمثلة هنا بالطائفية !! ثم تلت موجات الإنفجارات التي بدأت بالأحد الدامي ثم الأربعاء الدامي .. والآن نكاد أن نضع كلمة الدامي بعد كل يوم من أيام الأسبوع ..!!

ماأريد أن أخلص اليه ، أن الرغبة الأمريكية وجميع من يمثلها في الحكومة العراقية بأطيافها من الأحزاب الطائفية المنحى ، يريدون في واقع الأمر دفع المواطن العراقي الى صناديق الإقتراع ، أي أن من المهم أن تجري إنتخابات بمشاركة واسعة .. وكلٌ يتغنى بليلاه .. وكلٌ يتمنى الفوز (الساحق ) !! فنوري المالكي يقيم اللقاء بعد الآخر بالعشائر والطلبة وغيرهم محاولاً الظهور بمظهر رجل القانون العادل الذي يريد أن يملأ العراق عدلاً بعد أن ملئ جوراً .. وكأن مَن ملاءه جوراً هم من خارج حكومته ووزرائها وهيئاتها ومنتفعيها وعلى مدى أربع سنوات ..!!
لقد قال مؤخراً في كلمته أمام طلبة الجامعة المستنصرية ( أنه لايهمه من يفز ليكون رئيس وزراء قدر مايهمه المشاركة في الإنتخابات ..) وهذا بالضبط ماأشرت اليه .
وعلى نفس الوتر ، يعزف عمار الحكيم وجوقته ، وهو يدعو الشعب العراقي الى الذهاب الى صناديق الإقتراع ..!!
ومِن واشنطن يصرح عادل عبد المهدي بالمثل قبل أن يستقل طائرته متوجهاً الى طهران ..!!

إنها الرغبة الأمريكية في الإستخدام الأقصى لسلاح الإنتخابات بالترويج لحملة ( إنتخاباتية ) في وقت لانكاد نرى الكثير من الحملات الإنتخابية للمرشحين بل برامج مطاطية بصياغات لغوية رنانة كما يجب أن تكون وكما يحدث عادة في أية إنتخابات وفي أي بلد ..!  ولم تتطرق بجدية الى تخليص العراق من الإحتلال .

ويبقى السؤال .. كيف نجعل المواطن العراقي ، فاقد الثقة بحكوماته و ( إنجازاتها ) على مدى ست سنوات ، يعود الى الإنتخاب بحماس ورغبة آملاً وحالماً بتغيير وضعه ووضع البلد المتدهور ..؟
لابد إذن من تكتيك الأسابيع والأيام الأخيرة قبل بدء الإنتخابات . وقد بدأ بعضها :

ـ  إجتثاثات هيئة المساءلة والعدالة ..!
ـ  زيادة أعمال العنف والقتل والدمار كماً ونوعاً ..!
ـ  ثم ظهور التكتلات الجديدة من أحزاب وشخصيات ذات إتجاهات علمانية أو غير طائفية تعبر عن رفضها لحكم الأحزاب الدينية أي كان لونها ..! ولاندري أين ستنتهي تحالفاتها ومع مَن في حالة فوزها ؟ وهل أن شخوصها أهل للثقة الى هذه الدرجة ..؟
ـ  إعلان الكتلة الكردية عن تريثها حالياً في مجال التعاون مع حكومة بغداد حتى تتوضح الأمور ..!
ـ  التركيز إعلامياً على السخط وحالة التذمر التي تسود المحافظات الجنوبية بشكل خاص ..!
ـ  التصريحات الرسمية فيما يتعلق بالبعثيين وتصنيفهم مابين بعثي إعتيادي وبعثي صدامي ..!
ـ  تصريحات هيلاري كلينتون حول توقعاتها بازدياد أعمال العنف في العراق ..!
إذا كانت السيدة كلينتون تستند على معلومات إستخبارية فلماذا لايستطيع 160 ألف عسكري أمريكي في العراق تدارك حدوث أعمال العنف هذه وكشف من يقف وراءها ..؟ أما إذا كانت تتكلم من موقعها الرسمي في البيت الأبيض فلماذا السكوت على مايحدث والحيلولة دون وقوعه وكشف الحقائق ودور أزلام الإحتلال ، إلا إذا كان مايحدث بمباركة ودعم أمريكي بغض النظر عن الجهة المنفذة ، القاعدة أم إيران أم القوى الظلامية داخل العراق ، وجميعهم على برمجة الرموت كونترول الأمريكي ..؟

كل ذلك هو من عمليات تمهيد الأرضية لدفع المواطن العراقي لكي ينتخب .. والعدد كما يقولون بحدود ثمانية مليون ناخب ..
لحد الآن فقد نجحوا الى حد كبير في خلق أجواء إنتخاباتية ضمن دوائر الصراع الطائفي والأثني بتفصيل كتل ومرشحين تلائم كل مشرب ..!
فماذا سيكون التالي لكل ذلك بعد الإنتخابات ..؟
لقد تم إجراء إنتخابات عراقية ( شفافة ) و ( نزيهة ) وتحت إشراف اللجنة الدولية الفلانية واللجنة العراقية العلانية ، وشارك الشعب العراقي بكثافة في الإنتخابات ( كذا مليون ناخب ...!! ) واختار الشعب ممثليه ..!
وياأبو زيد كأنك ماغزيت ..!!
29/03/10

   
 
   

No comments:

Post a Comment