Thursday 17 May 2012

الوقوف في المنطقة الرمادية .. إنتحار سياسي 2




ـ  دراسة تحليلية  ـ
القسم الثاني


مراحل التخطيط والأهداف البعيدة .

ليس هناك اليوم مِن عاقل مَن لايستطيع أن يرى المشاركة الإيرانية في إعادة تقسيم المنطقة العربية وتأثيراتها ودورها في المخطط الإمبريالي ـ الصهيوني الذي يعرف بالشرق الأوسط الجديد . بل الأكثر من ذلك ، فإن إيران يمكن أن تُعتبر المستفيد الأول مع إسرائيل من تحقيق هذا الهدف والذي يتمثل ببساطة في إعادة رسم خريطة المنطقة بالإعتماد على تمزيق الدول العربية الى دويلات ، تماماً كما تم تمزيق المنطقة الى دول ودويلات في أعقاب الحرب العالمية الأولى ومن خلال معاهدة ( سايكس ـ بيكو ) البريطانية ـ الفرنسية حيث كانت هاتين الدولتين اللاعب الأساسي في المنطقة بعد أن هزمت الإمبراطورية العثمانية أو تركيا التي كانت متحالفة مع ألمانيا آنذاك .

اليوم ، يواجه العالم استراتيجية جديدة بعد حوالي قرن من الزمن مر على التقسيم العربي ، فالظروف تغيرت حتماً ، وموازين القوة إختلفت ، وتغيرت واختلفت معهما الأهداف السياسية وأدوات التنفيذ الجديدة .. فصيغة معاهدات الإنتداب والوصاية الدولية التي تم تطبيقها في السابق لم تعد صالحة للتطبيق اليوم على دول أصبحت مستقلة ذات سيادة داخلة في عضوية الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية ودولية أخرى ، تحكم سياساتها معاهدات وأحلاف ومواثيق دولية مختلفة ، كما أن زمن الإنقلابات العسكرية على الحكومات الشرعية في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي قد ولّى أيضاً ، فأصبح لابد من إعتماد سياسات جديدة لتطبيق المشاريع الجديدة وهذا قد إعتمد على خلق التمزق وشق الصف من الداخل باستخدام أدوات الطائفية الدينية والعرقية القومية وتغذيتهما بواسطة أحزاب ومنظمات تعتمد بدورها على القوى المسلحة أو الميليشيات لغرض فرض نفسها على الساحة وتحقيق أهدافها . هذه الأحزاب والمنظمات تعتمد في ديمومتها وتقويتها على شرايين تغذية إقليمية ماكان لها أن تُمد اليها وتتواصل بدون دعم في الظل من صناع السياسة الدولية .

في المنطقة العربية كانت مصادر ضخ أسباب الحياة لهذه التنظيمات الطائفية الدينية والعرقية القومية جهتان رئيسيتان هما النظام الإيراني وإسرائيل ، كما كانت أنبوبة الإختبار لنجاح هذه التجربة هي العراق تحت الإحتلال وبعد تنسيق دام لسنوات مع طرفي معادلة التغيير، إيران وإسرائيل . وقد بدأت كل من إيران وإسرائيل بجني ثمار جهودهما على الأرض العربية بواسطة التدخل المباشر أو بواسطة الأحزاب والتنظيمات نيابة عنهما وكما يبدو واضحاً الآن في التكتلات المذهبية الطائفية التي تعمل تحت رداء الدين في دول المنطقة وكذلك في الأحزاب التي تم تسليحها واصبحت تقود المواجهة وأعمال التخريب من الداخل كما هو الحال في حزب الله وحركة حماس ، وكلاهما مدعومين من النظام الإيراني .. وكل منهما يرفع شعار تحرير الأرض العربية من الإحتلال الصهيوني ! وكذلك الحال فيما يجري اليوم في شمال العراق من شبه إنفصال يقوده الحزبان الكرديان القوميان والوجود الإسرائيلي المكثف هناك من العسكريين ورجال الموساد .

يقول الميثاق الصادر عن حزب الله عام 1985 مايلي نصاً : إننا نمثل طليعة الحركة الإسلامية في العالم ، التي مرجعيتها تتمثل في الولي الفقيه في هذا الزمان روح الله الخميني ونقتدي بكلام محمد باقر الصدر الذي يقول ، ذوبوا في الإمام الخميني مثلما ذاب الخميني في الإسلام .
أما الدكتور أحمد يوسف مساعد إسماعيل هنية عن حركة حماس التي يفترض أنها على الجانب الآخر من التسييس الشيعي فكراً وعقيدةً فيجيب حين سئل : لماذا تحتفلون بعماد مغنية وهو قائد عسكري موالٍ لإيران ، فيقول : إن الشيعة حزب هذا الزمان !

إسرائيل بدورها دعمت وتدعم نشر التشيع الذي تقوده إيران في المنطقة ومن منطلقين أساسيين : أولهما شق الصف الإسلامي في المنطقة العربية والذي يمثل غالبيته الساحقة مسلمي أهل السنة والجماعة ، وثانيهما أن إسرائيل تعلم يقيناً أن هدف إيران ليس مسألة فرض التشيع ، بل هو الجسر الشرعي لفرض الأطماع القومية التي تتبناها إيران فكراً وعقيدةً ، تلك هي إحياء الهيمنة الفارسية في المنطقة .. وكلا الهدفين يمثلان نصرا سياسياً لإسرائيل في نخر الداخل العربي وإضعاف السلطات السياسية والحكومات القائمة ومن ثم العمل على تطويق تلك الأنظمة التي وعلى الرغم من علاقاتها الدولية مع الغرب والقائمة على أساس المصالح المشتركة والمتبادلة ، فإنها لن تكون طرفاً يقف الى جانب المشروع الجديد التي تلعب إيران الدور الأساسي فيه ، إيماناً منها بالوجود الإسلامي والعربي على هذه الأرض .

التحرك المضاد المطلوب والنتائج المتوقعة .

قبل الدخول في مفردات هذا الموضوع ، أجد نفسي أقتبس بضعة سطور من الخطاب الذي ألقاه خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز ، ملك المملكة العربية السعودية أمام مؤتمر قمة الكويت الأخير . وعلى الرغم من أنني ، كما غيري من أبناء الشعب العربي ، قد فقدنا ثقتنا ومنذ زمن بعيد بمؤتمرات القمم العربية ، إلا أنني أجد في سطور الخطاب نبرة تيقظ واستيقاظ للواقع الذي لم يعد إغماض العيون عنه ليؤدي الى حلول له أمام سرطان الفارسية ورداء الطائفية والتحالفات المشبوهة والسرية مع أعداء العرب والمسلمين .
يقول الملك عبد الله :
(( يجب أن أكون صريحاً صادقاً مع نفسي ومعكم فأقول : أن خلافاتنا السياسية أدت الى فرقتنا وانقسامنا وشتات أمرنا ، وكانت هذه الخلافات وما زالت عوناً للعدو الإسرائيلي الغادر ، ولكل من يريد شق الصف العربي لتحقيق أهدافه الإقليمية على حساب وحدتنا وعزتنا وآمالنا .
إن قادة الأمة العربية مسؤولون جميعاً عن الوهن الذي أصاب وحدة موقفنا ، وعن الضعف الذي هدد تضامننا . ))

نحن هنا أمام ثلاث نقاط جوهرية يمكن إستشفافها ، ترتبط بالنقاط التي أتيت على ذكرها في هذا المقال لاسيما وأنها تأتي من قبل ملك أكبر دولة خليجية فاعلة لعبت سابقا مع بعض الدول الخليجية الأخرى دوراً إتسم بما يمكن أن نطلق عليه وبلغة دبلوماسية دوراً سلبياً على أقل تقدير فيما يتعلق بما تعرض ويتعرض له العراق .

1 ـ  إسرائيل وإيران ( العون للعدو وشق الصف العربي لتحقيق أهداف إقليمية )
2 ـ  وقوف الأنظمة الحاكمة والمنظمات والأحزاب والحركات الفاعلة على الساحة العربية في المنطقة الرمادية التي يتم قضمها وابتلاعها ببطأ لحساب المنطقة السوداء .
     ( الخلافات والضعف والوهن ، أي السلبية في الفهم الموضوعي لواقع الحال الذي يراد له التطبيق على شعوب المنطقة )
3 ـ  تجاوز الخلافات والتوحد ( التحرك المضاد المطلوب للوصول الى النتائج الإيجابية في إفشال المخططات )

الربط في جملة واحدة بين الخطر الجاشم على الأمة والخطر القادم لتحقيق أهداف إقليمية على حساب كرامة الأمة وعزتها وآمالها الوارد في الخطاب له مدلولاته التي تريد أن تقسم هذا الهدف الى جناحيه السياسي والعدواني العسكري كما كان ولايزال الحال مع إسرائيل ، والأطماع الإقليمية باستخدام الدين وبشكل طائفي عدواني أيضاً كما يحدث في واقع الحال مع السياسة الإيرانية في المنطقة .
هذا الخطر المشترك سواء كان بتنسيق وتعاون أو بسبب إلتقاء المصالح ، هو في واقع الحال مايهدد وجود الأمة ومستقبلها ويقودنا الى الفقرتين التاليتين له والمتمثلتين في حالة الضعف والوهن والخلافات وما يجب إتخاذه والعمل به من أجل كسر حلقات هذا المخطط .

فإذا ماأردنا والحال هذه ، وضع أسس التحرك المضاد لإفشال ذلك ، فعلينا أن نأخذ بنظر الإعتبار جملة أمور ونطرحها ونناقشها بمنتهى الصراحة والشفافية والمصداقية بما في ذلك قادة الأمة ومسؤوليها ( ولا أستثني أحداً منّا ) وكما ورد في نص الخطاب .
المسؤولية هنا كما تفسر هي المسؤولية السياسية المتمثلة في وحدة التنسيق والعمل المشترك كقادة وما يفترض من أن ولاة الأمر قد إستوعبوا شكل وأبعاد المؤامرة التي تدبر ويتم تنفيذها . وعلى فرض أن هذا الإستيعاب والفهم قد أصبح واضحاً ، فإن عملية التنسيق لاتزال دون المستوى المطلوب .
ولكي نكون أكثر صراحة ووضوحاً ، نقول أن المملكة العربية السعودية ، مع ماتمثله من ثقل سياسي ودولي وإقتصادي وديني أيضاً ، فإنها ومن غير المعقول أن تستطيع تقديم المعجزات ، خصوصاً وأنها ومن خلال منهجها السياسي ودبلوماسيتها وتحالفاتها الدولية عليها إلتزاماتها أيضاً ، وبالتالي فإن تحركها لوحدها وفي إي إتجاه كان لم ولن يؤدي الى النتائج المطلوبة بالكامل خصوصاً إذا مااقترن ذلك بتحركات مضادة أو سلبية على أقل تقدير من قبل البعض الآخر ضمن المجموعة العربية.

على كل ذلك يترتب مايلي ، إذا ماأردنا وضع النقاط على الحروف :

ـ  التحرك بالمستوى المطلوب من قبل القيادات السياسية الحاكمة في الدول العربية ، إذ عليها تقع المسؤولية الأكبر والأهم ، للتنسيق مع المملكة العربية السعودية من خلال ثقلها السياسي والإقتصادي وما يمكن أن تلعبه من دور فاعل . فالقيادات اليوم أصبحت على المحك وهي تواجه أكثر من خطر ، وهذا قد تركها أمام خيارين .. البقاء على المواقف الحالية بكل سلبياتها وما سوف ينجم عنها من مخاطر فعلية سوف تهددها في الصميم ، أو إجراء عملية إعادة حسابات جذرية تسمو فوق كل الخلافات الجانبية .

ـ  عدم إهمال الموقف التركي الذي عبر عنه فعلياً رئيس وزرائها السيد طيب رجب أوردوغان ، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة ، وفي مؤتمر دافوس ، إضافة الى  وحدة الهدف التي يفترض أن العرب يتبنونها فيما يخص مخططات الإنفصال وتمزيق الدولة الواحدة الى دويلات كما تظهر مؤشراته في العراق اليوم . هذه الوحدة القائمة على أساس رفض تقطيع وتمزيق جسد الأمة والتي تمثل جزءاً هاماً في السياسة التركية فيما يتعلق بالعراق لمساسها بمصالحها أيضاً ، مع عدم إغفال الثقل التركي الدولي كعضو في حلف الناتو ، وإحتمال دخولها الى عضوية الإتحاد الأوربي ، إضافة الى علاقاتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا وحتى إسرائيل ، وهو حلقة مهمة تفتقدها بعض الدول العربية ويمكن إستثمارها بشكل جيد من خلال تركيا الواقعة في شمال المجموعة العربية ، تماماً كما هو الثقل السعودي  والخليجي الى الجنوب .

ـ  إن الأخذ بالموقفين المشار اليهما ، سوف يعمل ، دون شك ، على إيقاف وتحجيم المخططات الطائفية القادمة من الشرق ، والتي تعمل على تفتيت الوحدة الإسلامية والعربية ، والعمل ضمن السياسة القائمة على المطامع الإقليمية تحت الشعارات الدينية . ولعل للمجموعة الخليجية العربية هنا الدور الأهم وذلك من خلال موقعها الجغرافي المستهدف من الطرف الآخر للخليج ، والتركيبة السكانية فيها والتي عادة مايتم تحريكها من خلايا نائمة الى مجموعات فاعلة وفقاً للأطماع التي تستند على الطائفية الدينية المذهبية .

ـ  وبالأخذ بالنقاط أعلاه ، فإنه سيتم حتماً فرض العزلة على أي نظام سياسي في المنطقة قد يركب موجة مغايرة بعيدة عن هذه الثوابت .

ـ  كل ماذكرناه أعلاه قد يكون للحكومات والأنظمة السياسية فيه الدور الأول . ولكن هناك الجانب الآخر أيضاً والذي يتمثل في التنظيمات السياسية والأحزاب بآيديولوجياتها المختلفة دينية كانت أو علمانية ، وكذلك المجموعات الناشطة فكريا وثقافيا من النخب الوطنية التي تهمها وحدة الأمة وأهدافها ، والتي قد عرفت وتفهمت الآن ومن خلال الأحداث والنكسات أيضاً ، أين يفترض أن تقف لحماية وجودها وتحقيق تطلعاتها .
بالنسبة للأحزاب والتنظيمات الدينية ، فليس هناك من وقت أنسب مثل ماهو الآن لكي تضع آيديولوجيتها الإسلامية موضع التطبيق للوقوف ضد الموجة الطائفية التي تقودها إيران بإسم المذهبية الشيعية ، ولأنني أعلم  وكما يعلم الكثيرين أيضاً ، أن هناك الكثير من علماء الدين الجعفرية العرب ممن لايتفق والطروحات الإيرانية وغلوها ، وكذلك الكثير من العامة من أبناء الشيعة العرب ممن يرفض النفوذ والتدخل الإيراني وفرض الوصاية على المذهب ، فالحال هذه تقتضي من الأحزاب الدينية أن تتحمل مسؤولياتها في تحقيق التقارب الفكري مع كل هؤلاء المنصفين والمعتدلين لتحجيم وإيقاف المد الطائفي العنصري الذي تقوده إيران لخلق حالة من عدم الإستقرار تعتبر بالنسبة لها الخاصرة الضعيفة كما يقول المصطلح العسكري لغرض النفوذ منها وتحويل طاقة العاطفة المذهبية الدينية الى كسب سياسي وأطماع إقليمية وهو ما يحدث فعلاً في الوقت الحاضر .
ولئن خرجت حركة حماس باعتبارها جماعة الإخوان الفلسطينية عن هذا النهج وخصوصاً بعد أحداث غزة المؤلمة وماتعرضت له من مجازر فألقت بثقلها على إيران بتنسيق مع حزب الله في لبنان ، فإن ذلك قد وضعها في الموقف الأصعب كحركة سياسية وكقوة مقاومة . سياسياً فهي قد خلقت لنفسها حالة سلبية على مستوى الشارع العربي الذي لم تعد تخفى عليه المواقف الإيرانية وتكتيكاتها المرحلية ، كما أنها قد وضعت جماعة الإخوان في أنظار العرب أمام علامة إستفهام كبيرة لازالت تنتظر الجواب عليها . وكمقاومة ، قد تكون قد حصلت على بعض المكاسب العسكرية والتسليحية من إيران ، إلا أن ذلك لايمكن أن يقود ضمن التفهم الصحيح للمعادلة السياسية في المنطقة الى مكاسب عسكرية حقيقية ، وأن بناء هذا الإفتراض على توقعات التقارب الأمريكي ـ الإيراني في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة ، هو تفاؤل هش إن لم نقل سذاجة سياسية .

المعادلة السياسية الدولية في المنطقة وفي قراءتها الظاهرية تقوم على أساس ، اللجوء الى الحوار والدبلوماسية مع إيران بدل إستخدام القوة ، وتقسيم دول المنطقة الى دول متعاونة ودول ممانِعة ! فهناك من يرى أن المشروع الأمريكي يستند على أساس الإعتماد على إيران كقوة إقليمية لها تأثيراتها على الوضع العراقي وسوريا وحزب الله وحركة حماس وبالتالي يمكن أن تكون الشريك الأمثل لحل هذه المشاكل العالقة ، أي المشكلة العراقية والمشكلة الفلسطينية . بكلمة أخرى الإعتماد على قوى الممانعة في الحل السياسي . وهذا يظهر جلياً في الخطاب السياسي المعلن للرئيس أوباما لحد الان .
وهناك النظرة المقابلة التي تقول أن الولايات المتحدة لايمكن أن تشطب على مصالحها في المنطقة مع دول الإعتدال السياسي العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج ومصر ، ولا أن تقدم لإيران تنازلات سياسية رئيسية على حساب مصالحها الحقيقية ، وأنه لو صح ذلك فإن الولايات المتحدة ستضع هيبتها ووجودها وسياستها الخارجية في مراهنة ستقودها الى وضع أكثر حراجة مما هي عليه الآن بعد مراهنات الرئيس السابق بوش وما إنتهت اليه ، ولذلك سارع الرئيس الأمريكي أوباما بالإعلان عن إختيار مصر لتوجيه كلمته الى العالم الإسلامي في 4 يونيو القادم في وقت تشهد فيه العلاقات الإيرانية ـ المصرية أقصى درجات التوتر بعد إكتشاف خلايا حزب الله والأنشطة الإيرانية التخريبية على الأرض المصرية ، وتزامن إعلان الرئيس الأمريكي مع تجديد البيت الأبيض للعقوبات على سوريا لعام آخر ، وإعلان الجنرال أوديرنو من بغداد أن إيران لاتزال تشكل مصدر عدم إستقرار الأمن في العراق من خلال دعمها للميليشيات وتهريب الأسلحة .

الأحزاب والتنظيمات السياسية والقومية الأخرى في المنطقة العربية بما فيها تلك العلمانية منها ، أصبح عليها أن تعيد النظر في حساباتها التي بنيت على معطيات كانت صالحة ربما لإتخاذها إستراتيجية عمل لها قبل أربعة عقود من الزمن ، ولكنها اليوم ومع المتغيرات التي أتينها على ذكرها ، أصبح من الضروري أن تبني حساباتها بما يضمن إستمرار وجودها المستقبلي أمام خطر الطائفية الدينية والعنصرية والأطماع القومية ، وكلاهما تتبناهما الأجندة الإيرانية . ولم يعد ذلك من نافلة القول ولا من صنع الخيال ولا من منطلقات مبنية على العاطفة ، بل من حقائق ملموسة ناجمة عن تدخل الإصبع الإيراني أو محاولة تدخله في هذه الدولة العربية أو تلك .
هناك في العراق مقاومة للوجود الأمريكي والإيراني من فصائل مختلفة علمانية التفكير أو دينية أو قومية تجمعها الوطنية العراقية .. فما هو دور الأحزاب المشابهة لها في آيديولوجيتها وأهدافها على إمتداد الوطن العربي ..؟

فكما أنه قد حان الوقت للأنظمة السياسية العربية أن تتخذ القرارات المصيرية الحاسمة للحفاظ على وجودها ، وبدأت تعي أهمية ذلك كما يبدو من الظواهر ، فإن الشيء نفسه أصبح مطلوب أيضاً على مستوى القرار الشعبي من خلال الأحزاب والتنظيمات السياسية والدينية وبشكل هدف إستراتيجي .

الأسود والأبيض لونان واضحان ، أصبح الحفاظ على وجودنا يتطلب منا إختيار موقع وقوفنا .. وإذا كنا لانزال لم نختر لحد الآن فذلك يعني أننا لازلنا نقف في المنطقة الرمادية بينهما . وان مقولة القعود على التل أسلم لاتمثل شيئ من المبدأية في العمل السياسي . وأن المنطقة الرمادية لم تعد سوى منطقة إنتحار سياسي ، سواء نحن من إختارها أو أنها قد أختيرت لنا ، وسيان أن يكون الإنتحار آنياً أو ستحمله الأحداث الينا ، ولاأعتقد أن ذلك ببعيد .

19/05/09
   
     



No comments:

Post a Comment