Friday 18 May 2012

بانتظار المندوب السامي




سقط الحكم الوطني في العراق في نيسان 2003 ، ولم يكن هناك من خيار آخر بعد مؤامرةٍ حُبكت بشكل دقيق وعلى مستوى دولي وإقليمي على مدى قرابة عقدين من الزمن .. وحين وصلتْ الى بدايات النهاية لم يعُد الأمر متوقفاً على صدام حسين وما يريد أن يفعله من أجل وطنه وشعبه وما رافق ذلك من الدعوات المصطنعة  الموجهة له عربياً أو أجنبياً ـ والتي كانت جزء من المؤامرة كما ثبت لاحقاً ـ والتي تقول بضرورة تنحيه عن الحكم أو تأمين مغادرته وعائلته للعراق والحفاظ على سلامتهم . فالرجل كان مدركاً تمام الإدراك أن ذلك لم يكن سوى خيط آخر من خيوط المؤامرة ، إن حدث فسيضمن إحتلال العراق بأقل الخسائر لجيوش الإحتلال وسيتم وأد أية مقاومة مسلحة قد تقوم نتيجة للإحتلال وسيدمر سمعته الشخصية . إضافة الى كل ذلك ، إدركنا الآن وبعد هذه السنوات وتكشف صفحات المؤامرة ، أن وطنه العراق كان بالنسبة له قضية مركزية .. وأن الكارثة واقعة لامحالة سواء ترك كرسي الرئاسة والقيادة أو إنتقل الى موقع جندي مقاوم ومدافع عن بلده .. فكان أن فضّل الإختيار الثاني بإيثار طغى على الأنانية الشخصية التي كانت ربما سيسلكها أي زعيم آخر يرى الموت قريباً منه ، ولكنه فضّل إختيارالموت ليس إنتحاراً بل مقاومةً وجهاداً .

لاأريد أن أسهب في هذا الجانب الآن .. ولكن الأيام أثبتت البعض منه ، والقادم منها سيثبت البعض الآخر ، فأنا أحاول هنا لملمة الأحداث على مدى ثمان سنوات ، لشعوري أن ماكان حدساً وشكوكاً لدي في يوم من الأيام بحيث لاأستطيع البناء عليه ، قد بدأت صورته تتبلور وتتوضح يوماً بعد آخر . وكانت الإنتخابات العامة الأخيرة واحدة مِن أهم الصفحات لتنفيذ المرحلة أو المراحل القادمة .

كانت الخطوة الأولى بعد أن أصبح العراق تحت الإحتلال تنصيب  حاكم أمريكي .. وبكلمة أكثر واقعية المندوب السامي في العراق والتي تطابق التجارب الدولية ومعروفة تاريخياً وتتقرب من الناحية الدستورية لدورالأمم المتحدة والتي كانت بدورها الغطاء الدستوري للغزو الأجنبي للعراق (المارق والمشاكس ) الذي يمتلك الأسلحة الفتاكة والمدمرة والذي يهدد الأمن والسلام العالميين ( !! ) .
أطلق على هذا الحاكم بأمره عام 2003 إسم : الحاكم المدني !! وعلى حوارييه من العراقيين أعضاء مجلس الحكم على إعتبار أنهم مَن يدير شؤون العراق ( !!!)

شغل هذا المنصب ولمدة قصيرة نسبياً ومحسوبة بدقة ضمن المخطط الكبير ولاتزيد عن ثمانية عشر شهراً ، حاكمان هما : جاي كارنر و بول بريمر . لوضع حجر الأساس لثلاثة إنجازات يتم البناء عليها لاحقاً .. ويبقى العراق يعاني من آثارها المدمرة ، تلك هي : حل الجيش العراقي ، حل الإعلام ، وضع الدستور الجديد . يعني إعطاب البندقية والقلم ومحترفيهما ، ووضع أسس التخريب لسنوات قادمة تحت مسمى الدستور وفقراته المشبوهة ..! وهو مايحدث الآن على يد أكثر من جهة .

كان بعدها على بريمر مغادرة موقعه لأن هناك أمور مهمة يجب أن تحدث وأحداث يجب أن تتبلور هذه المرة على أيدي مّن يُسمَون عراقيين ويمر بها العراق لتشمل الإنهيار السياسي والإقتصادي والأمني والخدمي والبنى التحتية ، ويكون الأمريكان فيها خارج الصورة ظاهرياً ويتحدثون خلالها عن إنسحابهم العسكري ، ووحدة العراق ، والتدخل لإصلاح ذات البين ، وفرض القانون ، ومحاربة الإرهاب .. والى آخر هذه (المواويل) ، وذلك قبل العودة في المرحلة التالية ، وذلك عند وصول الوضع السياسي والإجتماعي الى حافة الهاوية والطريق المسدود ، وهو ما عليه الحال الآن .
العودة والتدخل هذه المرة وبشكل دستوري وقانوني وأممي الى العراق لوضعه تحت الوصاية الدولية لأجل هو بالغه ، بعد فرض الأمر الواقع ، والإنتهاء من توقيع الإتفاقيات والمعاهدات لاسيما النفطية منها ، وبناء القواعد العسكرية الأمريكية وصولاً الى بدايات مرحلة الشرذمة والتفتيت والتقسيم ..
تكاد فترة الإختبار والإعداد هذه تقترب من نهايتها الآن ونحن في السنة الثامنة للإحتلال !!

لاأرى مايستوجب العودة الى التفاصيل الكثيرة للأحداث التي رافقت تلك السنوات ، فقد كتب فيها ما لو تم جمعه لأصبح مجلدات كبيرة ، ولقد تم إئراؤها تحليلاً وتمحيصاً من قبل العديد من الكتّاب والباحثين وفي كافة مجالات الإعلام محلياً وعالمياً . لكنني سأقف عند الفترة الزمنية للحكومة العميلة الحالية ، حكومة نوري المالكي .. والتي أعتقد أنها قد أنجزت مهامها الموكلة اليها على الوجه الأفضل لمسح ماتبقى من الهوية الوطنية العراقية .. ولا يعني ذلك ، بأي حال من الأحوال ، أنني أزكي بقية التحالفات وأبرءها من أدوارها العميلة والخبيثة .. فالكل قد رضعوا من ثدي واحد ، وترعرعوا في حضن واحد ، وامتلأت حساباتهم المصرفية بالدولارات الممنوحة لهم أمريكياً وهم في ( المعارضة ) ! حتى قبل أن يطأوا أرض العراق . والكل قد قاموا بالتنسيق مع السلطات الإيرانية الحكومية والدينية والمخابراتية وتحت عِلم ورعاية أميركا ، سواء بشكل مباشر أو من خلال القنوات السورية والكويتية . والكل في هذه المرحلة التي أعقبت ( الإنتخابات ) يلعب دوره بدقة وعناية وفق المثل الشعبي ( واحد يرفع وواحد يكبس ) وضحايا تضليلهم هم البسطاء من الشعب العراقي الذين أُدخلوا في قلب العاصفة ، منهم مَن صدّق لعبة الصراع الداخلي .. ومنهم مَن يأمل الوصول الى بر الأمان والإستقرار .. ومنهم مَن يظن أن الأزمة في طريقها الى الحل هذا اليوم أوغداّ ، أو هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم !!

في عهد نوري المالكي وصلنا الى :
مايقارب خمسمائة كتلة سياسية وحزب وتجمع ، أكثر من خمسمائة صحيفة ومجلة ، أكثر من خمسين قناة فضائية تلفزيونية مملوكة لأفراد ، العشرات من الميليشيات المسلحة ، والآلاف من تجار الحروب !
يقابلها عدم وجود جيش بالمعنى الحقيقي وبالحد الأدنى من التدريب والتسليح ، عدم وجود قوى أمنية كالشرطة والأمن والتي أصبحت عبارة عن تجمعات رسمية لميليشيات غير رسمية !! إنعدام حتى الحد الأدنى من الأنشطة الإستخباراتية والمخابراتية للدولة ، بعد أن غزتها قوات الأحزاب الطائفية والعنصرية  كلّ يعمل من منظوره الخاص !!
ثم بعد ( الإنتخابات ) ، والتي كتبت عنها شخصيا ً في نيسان الماضي مقالاً تحت عنوان ( الإنتخابات .. أسلحة الدمار الشامل الحقيقية  ) .. تم فعلاً إدخال العراق وعلى يد هذه الحكومة وهؤلاء ( المعارضين ) لها صورياً الى النفق المظلم الذي سيقف عند نهايته الثانية وفي الوقت المحدد ، ربما في 4/ آب ، وربما بعد ذلك التاريخ بقليل ، وعلى ضوء القرار الأممي ، سيقف مهدي العصر الأمريكي على العراق الذي سيصبح تحت الوصاية الدولية وحتى إنتخابات قادمة يتم تحديد موعدها لاحقاً ..!!

عهد المسز بيل ، والمندوب السامي البريطاني ، حتى تشكيل حكومة العراق الموالية لبريطانيا والمرتدية الزي الوطني .. سيعود بنفس السيناريو بعد ثلاث وتسعون عاماً بالتمام والكمال ..

وسلاماً على العراق
28/07/10

No comments:

Post a Comment