Tuesday 22 May 2012

ماذا بعد الســقوط .!..


أن يسقط الطغاة وفي أي مكان من العالم أمر جيد نفرح له جميعا إيمانا منا بأن عمر الشعوب هو عمر الزمن وعمر الطغاة مهما طال فهو قصير . ما يهمنا في عالمنا العربي وهذه المنطقة الساخنة من العالم القابلة للإشتعال قابلية نفطها ، هو سقوط حكام قدامى وأنظمة مضى عليها عقود من الزمن لتحل محلها أنظمة جديدة ووجوه جديدة تأخذ بلجام القيادة لفترة قادمة .
أسمها اليوم " الثورات العربية " أو " ربيع الثورات العربية " .. وستجد لها تسميات أخرى حين تكتمل الدائرة وتبدأ حقبة جديدة يحسها البعض منا ويعرفها ، ويتحمس لها البعض الآخر بعد أن إكتوى بنار الطغيان والتحجيم وتكميم الأفواه وتقييد الأيدي وبعد أن جاع وافتقر فخرج الى الشارع ، ويعلمها علم اليقين قلة ممن أصبحوا في مواقع النخبة الجديدة أو سيصبحون .سؤال مهم هنا نطرحه على أنفسنا كمثقفين ومفكرين ومحللين وكتّاب وسياسيين : ماذا بعد السقوط ؟
لعل الإجابة على هذا السؤال ستكون صعبة بمكان والسبب ان الإجابة يجب أن تكون منطقية وعقلانية وهنا تكمن الصعوبة ونحن نعيش زمن العواطف ( الثورية ) .
لذا أجد أن خير إجابة على هذا التساؤل هو العودة الى الماضي القريب . من عاشه فهو يعرفه ويعرف أبعاده ونتائجه . ومن لم يعشه فربما قد سمع به أو لابد أن يقرأ عنه .
في خمسينات القرن الماضي .. كانت تحكم المنطقة أنظمة ملكية في معظمها أفرزتها تداعيات الوضع السياسي بعد الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918 وسقوط إمبراطورية كانت تهيمن على المنطقة العربية وهي الدولة العثمانية .
تلك الأنظمة لاشك أنها كانت قد أنشأت بموافقات من الدول المنتصرة في تلك الحرب وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا. بكلمة أخرى كان حكامها آنذاك يدورون في فلك القوى الكبرى تلك .
كانت هناك معادلة طبيعية جراء ذلك ، هيمنة إقتصادية بالدرجة الأولى من قبل القوى الكبرى أو ما كنا نسميها بالإستعمار وذلك على ثروات المنطقة الغنية ، وهيمنة سياسية من خلال أنظمة تدين بالولاء لها وتقف أمام سيطرة المعسكر الآخر وهو المعسكر الشيوعي المتمثل بالإتحاد السوفياتي آنذاك . بالمقابل ، في هذه المعادلة ، كانت تلك الأنظمة قد مُنحت استقلالا لدولها بعد فترات إنتداب ، وابتدأت تلك الدول العظمى تعمل على تطبيع المجتمعات بالحضارة الغربية ونشرها ثقافيا وعمرانيا وسياسيا ايضا من خلال برلمانات وانتخابات كانت جديدة على العقل العربي بعد فترة حكم عثمانية إمتدت لقرون . وعلى الرغم من شكلية تلك الممارسة السياسية إلا أنها كانت شي مستحدث قابل للتطوير.
جاءت الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 ، وانتهت بانتصار الحلفاء بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية بعد أن دخلت على الخط في أواخر سني الحرب والإتحاد السوفياتي وبقية الحلفاء وذلك على المانيا النازية وإيطاليا الفاشية اللتان كانتا محكومتين ديكتاتوريا وعلى اليابان حليفتهما في الشرق الأقصى لتبدأ مرحلة جديدة برز فيها صراع المصالح بين المعسكرين المتناقضين آيديولوجيا والمتحدين مصلحيا خلال فترة الحرب، وهما المعسكر الرأسمالي اي الغربي ، والمعسكر الشيوعي أي الشرقي بما أُصطلح عليه " الحرب الباردة " .
لم يكن الوضع الدولي يسمح بمواجهة مسلحة جديدة لاسيما وقد أصبح كلا المعسكرين قوة نووية بعد ظهور السلاح النووي ، وبذلك انفتحت الساحة العربية على صراعات سياسية داخلية تتم تغذيتها من هذا المعسكر أو ذاك .
نشطت خلال تلك الفترة ، اي الأربعينات والخمسينات ، الحركات والأحزاب الشيوعية والقومية والوطنية والإسلامية أيضا .. ومن خلال قياداتها كانت الدول الكبرى ذات المصالح الكبرى في المنطقة والتي لاتريد التخلي عنها تتصارع فيما بينها . أي صراع بالنيابة . وزاد من حدة ذلك الصراع السياسي الداخلي هو إنشاء إسرائيل على الأرض الفلسطينية والتي بدورها كانت ولا تزال لايروق لها اية حالة إستقرار في المنطقة أو عند العدو الذي يحيط بها ويريد أن يرميها في البحر !! سيما وأنها قد تم خلقها لكي تسمى الديمقراطية الوحيدة في منطقة تعاني ( التخلف ) .
كنتيجة لكل ذلك ، بدأ عصر الإنقلابات العسكرية أو الثورات التي تقودها هذه الجهة أو تلك .. وبرز على السطح وبشكل واضح التيار القومي العربي . مصر ، الجزائر ، ليبيا ، السودان ، اليمن ، سوريا ، العراق .. وحركات ومحاولات هنا وهناك . في حين بقي التيار الأممي المتمثل بالأحزاب الشيوعية في المنطقة نشطا في مواقف المعارضة . والغريب هنا أن الإتحاد السوفياتي الراعي للأحزاب الشيوعية ، كان هو الداعم الأكبر للأنظمة التي تقودها الأحزاب القومية العربية التي تناقض الآيديولوجية الأممية فكريا ، وتعادي الأحزاب الشيوعية المحلية لحد المواجهة المسلحة . وإذا ماعرفنا بعد كل هذه السنوات المرّة ، دور الصهيونية العالمية وما لعبته في الأنظمة الغربية وأيضا في الإتحاد السوفياتي على حد سواء .. تسقط الغرابة في هذا التساؤل .
الانقلابات والثورات العربية التي قادها العسكر او الأحزاب .. أفرزت للمنطقة قادة جدد سرعان ماتحولوا الى دكتاتوريين منذ ثلاث او اربعة عقود .. منهم من قضى ومنهم من لايزال .. وآخيرهم وليس آخرهم معمر القذافي .
وهنا يبدأ السؤال الكبير .. ومعه نظرة الى الغد او محاولة قراءته .
هل إنتهى عصر الثورات العسكرية أو الإنقلابات مع إضمحلال الصراع الدولي على المنطقة ؟
وهل أتت اؤكلها الصراعات بين الأحزاب القومية والفكر القومي والتي بدأت في الخمسينات من القرن الماضي ومنها صراع الفكر والإستراتيجية التي أتى بها جمال عبد الناصر مثلا مع حزب البعث في سوريا إبان الوحدة بين مصر وسوريا وما بعدها بين العراق ومصر ..؟ أو بين البعث وحركة القوميين العرب ..؟ أو بين الأحزاب القومية التنظيمية والفكر القومي المستقل ..؟ أو حتى بين كل هؤلاء وبين الأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة ..؟
إنتهىت حقبة الإتحاد السوفياتي وعنفوانه الشيوعي ومعه بدأ إضمحلال توابعه من الأحزاب الشيوعية في المنطقة حتى لقد وجدنا البعض منها يحاول الإستناد على دعائم شيدتها الرأسمالية العالمية الغربية ، أو مغازلة حركات إسلامية قفزت الى السلطة كما حدث في العراق .
أما الحركات القومية فبدأت بالأفول مرغمة بعد تفرد قادتها بالسلطة فابتعد مّن إبتعد ، وتم إنهاء البعض ممن بقوا يحملون جوهر الفكر القومي .
والآن وبعد هذه العقود الزمنية نكاد نرى الفكر القومي العربي وتنظيماته وفي أحسن أحوالها إما مقاوِمة أو معارِضة .. أما قواعدها فقد إنضوت تحت مظلات التيارات الجديدة عملا بمبدأ المصالح والمنافع والمغانم .. في حين أحال البعض الآخر نفسه على التقاعد وهي سنة الحياة عند بلوغ شيخوخة السن أو الشيخوخة السياسية .
في هذه المرحلة أو الحقبة الزمنية ، والتي لايختلف إثنان على أنه تم التخطيط لها منذ سنوات طويلة ، نرى أن قوى الشر العالمية بدأت تلعب على وترين مهمين في وقت واحد :
الأول ، دعم وتشجيع التطرف والتعصب القومي غير العربي ، وهذا واضح لنا في الوقوف الى جانب القوميين الأكراد سواء في دولتهم التي أوصلوها الى حافة الإستقلال والإنفصال في العراق، أو في تغذية هذه الحركات في أجزاء أخرى في المنطقة ، أو في دعم التطرف القومي الفارسي المتلفع بالدين ، أو في تشجيع تحرك القوميات والطوائف الصغيرة الأخرى في الوطن العربي .
والثاني ، دعم وتغذية التطرف الطائفي ضمن الإسلام في المنطقة . وهذا بالذات بحاجة الى وقفة سريعه لأنه المحور الذي تعمل عليه السياسة الدولية وشياطينها منذ أن اعلن جورج بوش ( بزلة لسان ) !! أن الشيوعية قد إنتهت ولم يبقَ غير الإسلام عدوا لنا .. وفي مناسبة أخرى : أن هذه هي حرب صليبية جديدة ..!!
مرة أخرى وبنظرة لاتحتاج الى عناء او ذكاء ، نرى أن حالة صراع جديدة وقوية أقوى من سابقتها ، وأعني بها حالة الصراع القومي في القرن الماضي ، قد نشأت وخاصة بعد سقوط العراق تحت الإحتلال منذ ثمان سنوات ، تلك هي حالة الصراع الطائفي الى حد الدموية .
وتعالوا معي نلقي نظرة استقرائية للمستقبل على المنطقة .
السماح لإيران بمد أذرعها الطائفية يغذيها التعصب القومي الفارسي وأمجاد الماضي البعيد الى عموم المنطقة من جانب .
دعم ( الثورات الشعبية ) في المنطقة العربية سياسيا وعسكريا . هذه الثورات ( الشعبية ) تقودها اليوم أحزاب دينية متطرفة في الجانب الآخر .
حركة الإخوان المسلمين ، بكل مايشوب تاريخها من علامات إستفهام ، لعبت وتلعب الدور الرئيسي والقيادي في تونس ، مصر ، ليبيا ، وسوريا .
نفس التطرف الطائفي عبر نفس الحركة أو من يتوافق معها آيديولوجيا وفكريا و ( جهاديا ) تحت مسميات مختلفة وأبرزها ما يطلقون عليها ( القاعدة ) والتي تدعم اليوم من إيران وذلك في المغرب ، الأردن ، السودان ، اليمن ، والعراق .
الفكر السلفي التطرفي وتنظيماته تلعب نفس الدور في منطقة الخليج والسعودية في مواجهة التطرف والتدخلات الإيرانية الطائفية .
حزب الله اللبناني ودوره في تأجيج هذا الصراع.
الأحزاب ( الجهادية ) السنية ودورها أيضا في تأجيج الصراع .
ثم الإستعانة بتأثير دول إقليمية قوية لتغذية هذا الصراع والتدخل إن إقتضى الأمر مثل إيران وتركيا وحتى السعودية .
ووجدنا أنفسنا نعيش بين ( الرافضة ) و ( النواصب ) والصراع بينهما ..!!
لقد تم إذن رسم المخطط على الأرض كما يفعل المعماريون ، ودخلنا مرحلة تنفيذ البناء الجديد . وهو ببساطة صراع إسلامي ـ إسلامي تحت يافطة الطائفية وأحزابها .. تماما كما كان في السابق صراع قومي ـ قومي تحت يافطة الأحزاب وشعاراتها .
تم تفتيت الأول ، وكما ذكرنا .. ونحن نشهد الآن محاولات دؤوبة لتفتيت الثاني وهو الإسلام وبيد المسلمين أنفسهم . وهو الهدف المعلن وغير المعلن لقوى الشر بقيادة الصهيونية العالمية ، وقد تمت تهيئة الأرضية المناسبة له سياسيا عبر الأحزاب ، وعمليا عبر ( الثورات ) الشعبية ، وعسكريا عبر حلف الناتو وإسناده العلني ، وإعلاميا عبر بعض الفضائيات العربية والصحافة .
قراءة للغد .. ورأيٌ صواب يقبل الخطأ .. أو خطأ يقبل الصواب
وماذا بعد السقوط ..؟؟

No comments:

Post a Comment