Tuesday 22 May 2012

حق تقرير المصير




أعلن السيد مسعود البارزاني بصفته رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في مؤتمر الحزب في أربيل والذي حضره ، وعلى غير العادة والمتعارف عليه في مؤتمرات الأحزاب في أي من دول العالم المتقدمة والمتأخرة منها ــ  قادة الحكومة والأحزاب السياسية والمعارضة في بغداد فشدوا الرحال جميعا الى أربيل لحضور المؤتمر ــ  رئيس الجمهورية جلال الطالباني ، رئيس الوزراء المرشح نوري المالكي ، مجموعة من القياديين في أحزاب السلطة والمتوقع تسلمهم حقائب وزارية ، عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي وقياديي المجلس ، أياد علاوي .. ولاأدري ما الصفة التي أضعها أمام إسمه .. هل رئيس قائمة العراقية الإنتخابية الخائبة ، الرئيس المتوقع للمجلس الأعلى للسياسات الإستراتيجية ، المتنافس على رئاسة الحكومة والذي تم إبعاده ولم يلقى الدعم حتى من الأكراد الذين حضر مؤتمرهم ولايزال يؤيدهم !! وغيرهم .. وغيرهم .

أمام هذا الحشد لحكومة بغداد ومؤيديها ومعارضيها الذين أتوا طائعين الى ( هه ولير ) .. وقف السيد مسعود البارزاني ليعلن : أن على الأكراد حق تقرير مصيرهم . وإذا ماأضفنا للسيد البارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني صفته الأخرى وهي رئيس إقليم كردستان .. يصبح لكلمته معان أكبر من مجرد عبارات خطابية حماسية في مؤتمر حزبي .
 
حق تقرير المصير ، مصطلح سياسي يستخدم عادة لشعب يعيش في دولة تحت الإحتلال ، أو لشعب يعيش في دولة مستقلة ويود الإنفصال عنها بسبب أنه لاينتمي لتلك الدولة قوميا ، أو لنفس السبب ولكن هذا الشعب يعيش في مجموعة دول ويود أن يتوحد في دولة خاصة به بسبب أنه ينتمي الى عِرق واحد .
 
إذا ماأخذنا الحالة الأولى ، نرى أنها لاتنطبق على الأكراد فقط في وضعهم الحالي في العراق لأن العراق بمجمله محكوم بإحتلال عسكري وسياسي . وعليه فلا يمكن إعتبار خطاب السيد البارزاني يدخل ضمن هذه الحالة أو بسببها وهو كان من أوائل مَن عمل على إدخال الإحتلال وعملاء الموساد الإسرائيليين الى العراق .
 
الحالتان ، الثانية والثالثة .. هي بالضبط ماينطبق على أكراد العراق من وجهة نظر سياسييهم وقادتهم في الحزبين الرئيسيين . وهي الحالة التي تخضع للمناقشة في الدعوة الى الإنفصال تحت مسمى تقرير المصير .
 
فلو أخذنا الحالة الثانية وهي المتعلقة بالأكراد في المنطقة الشمالية من العراق والنظر الى وضع دول الجوار الأخرى التي يتواجد فيها العنصر الكردي ، لوجدنا الحقائق التالية :
 
ـ  تمتعَ سكان المنطقة الشمالية من العراق من القومية الكردية بالحكم الذاتي منذ أكثر من ثلاث عقود من الزمن .. أي حكومة محلية ، الحفاظ على لغتهم والتعليم بها ، وضع التخصيصات المالية من ميزانية الدولة لتغطية إحتياجات منطقة الحكم الذاتي ، وحتى الإبقاء على العناصر    المسلحة التي كانت متمردة على الحكومة المركزية والتي كانت تقاتل الجيش الوطني للعراق والذين يطلق عليهم " البيش مركه " بصفة تنظيمات مسلحة تحت مسمى حراس الحدود .
 
ـ ولأن هذا الحكم الذاتي ماكان ليمثل في ذهن القيادات الكردية سوى خطوة مرحلية تكتيكية أجبرتهم عليها ظروف المنطقة وإتفاقية الجزائر عام 1975، وتوقف شاه إيران عن دعمهم بالمال والسلاح ، وكان عليهم الإختيار بين الموت أو الإذعان ، فإنهم سرعان ما إستغلوا ظروف الحكومة المركزية في بغداد بعد حرب الكويت وفرض الحصار على العراق ، فأعادوا نشاطهم التآمري بشكل جديد فأعلنوا شبه إنفصال في حكومة إقليمية وكانت النقطة الجوهرية في ذلك عام 1996 ، عندما كانت الحرب على أوجها بين حزب جلال الطالباني الإتحاد الوطني الكردستاني ، وحزب مسعود البارزاني الحزب الديمقراطي الكردستاني وقد أحكمت قوات الطالباني حصار أربيل واصبحت مهددة بالسقوط حين التجأ مسعود البارزاني الى الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله مقبّلا ومتوسلا بنجدته ، وتم له ذلك وهُزِمت بيش مركه الطالباني عائدة الى السليمانية وبقي الإقليم بحكومته المحلية تحت هيمنة البارزاني ومهادنة بغداد .. والقصة معروفة ، مع إستمرار تآمره على الحكومة الشرعية بالتعاون مع إسرائيل ثم أميركا وإيجاد الملاذ الآمن لعملاء مايسمون المعارضة من الأحزاب الطائفية المرتبطة بإيران وعملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من أمثال أحمد الجلبي وأياد علاوي وبقية وجوه شلة مجلس الحكم لاحقاً ورؤساء حكومات العراق تحت الإحتلال .
 
ـ بعد الإحتلال تبلور وضع الإقليم وخرجت المخططات الظلامية الى العلن وأصبح في العراق المحتل حكومة داخل حكومة ، لابل أن حكومة الإقليم لعبت الدور الأهم والأبرز داخليا وخارجيا وحولت حكومات بغداد الى دمى متحركة لاحول لها ولا قوة .. والأدهى أن تلك الحكومات وآخرها الحكومة الحالية والتي أذعنت بالكامل لحكومة الإقليم من أجل تنصيب نوري المالكي ، في وقت تبارت القوى السياسية الأخرى وبإذلال ومهانة في كسب ود الأكراد وبأي ثمن حتى لو كان التضحية بالعراق نفسه .
 
إذا ماذا يعني فعلاً حق تقرير المصير أو الإنفصال ضمن هذه الحالة العراقية ..؟
 
الجواب البسيط على ذلك هو فصل المنطقة الشمالية بحكومة كردية مستقلة .. مما سيفتح الطريق أمام الأحزاب الطائفية المرتبطة بإيران كالدعوة والمجلس الى العمل على تنفيذ الصفحة الثانية من المخطط الإسرائيلي ـ الأمريكي ـ الإيراني ، وهو تقسيم العراق بمجرد إعلان ( فيدرالية ) إقليم الجنوب .. علما أن كلمة الفيدرالية كانت المصطلح السائد في أدبيات الأحزاب الكردية خلال السنوات الثمان من الإحتلال أو مايسمونه العراق الديمقراطي التعددي الموحد .. وهو لاشك مصطلح تكتيكي آخر مثل مصطلح الحكم الذاتي .. وقد رفع نفس الشعار وبحماس المقبور عبد العزيز الحكيم خلال فترة ترؤسه للمجلس الإسلامي .. وسكت مرحليا عن تلك الدعوة خليفته وولده عمار ولأسباب أصبحت غير خافية .. لأن الأمر يحتاج الى مراحل لتطبيقه ، وها قد بدأ مسعود رفع الغطاء عن المراحل القادمة .
 
ولكن .. ماذا ستكون تداعيات الإنفصال في العراق بحجة تقرير المصير ..؟
 
قد يعتقد الكثيرين ، أن دول الجوار الإقليمية ، وبالدرجة الأولى تركيا وإيران وسوريا على إعتبار أنها تعاني من مشكلة كردية داخلية وطموحات إنفصالية غير خافية لدى الأكراد فيها سوف تقف ضد هذا المشروع ووأده .
أنا شخصيا وعلى ضوء كافة الأحداث ومعطياتها في المنطقة منذ سنوات ثمان ولحد الآن، أعتقد العكس من عدة منطلقات :
 
ـ أن حكومات هذه الدول ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالسياسة الأمريكية وبإسرائيل تحديداً من منطلق المصالح المتبادلة .
تركيا ترتبط بعلاقات دبلوماسية وعسكرية وإقتصادية وثيقة مع أميركا وإسرائيل .. وهي في نفس الوقت تقوم بإستثمارات إقتصادية واسعة في منطقة كردستان العراق .
إيران لديها إتفاقات غير معلنة مع أميركا وحتى إسرائيل وخصوصا بعد إندحارها عسكريا أمام العراق عام 1988، وقد ساهمت أميركا وبعض حلفائها في المنطقة بدعم العراق خلال سنوات حربه مع إيران لتجبر إيران على مد الجسور معها ، وبكلمة أدق تركيعها لقبول الأمر الواقع والتعاون معها تمهيدا للمؤامرة الكبرى التي كانت خطوطها توضع بعناية ضد العراق والتي لقيت هوى إيران وترحيبها فأعلنت لاحقا وعلى لسان كبار مسؤوليها أنها تعاونت مع أميركا في حربها في العراق وأفغانستان . وأيضا ، فإن لإيران حاليا مصالح إقتصادية مستمرة مع حكومة البارزاني في المنطقة الكردية بعضها بيع النفط العراقي لها خارج العقود الحكومية والقانونية .. أي سرقة وتهريب .. وهذا أيضا قد تم كشفه ونشره على الملأ .
أما سوريا فهي في موقف لاتحسد عليه مابين الضغوط الأمريكية والإسرائيلية وحتى التركية ، إضافة الى النفوذ الإيراني المتزايد هناك . حزب الله في لبنان ، الإتهامات بخصوص إغتيال الحريري " قميص عثمان العصر " ، الرغبة الخفية في فتح باب التفاوض بوساطة أو بدونها مع إسرائيل من أجل الجولان المحتلة .. والعلاقات الإقتصادية الكبيرة والتي تزداد إتساعا مع الأتراك .
 
ـ الدول العربية المجاورة وغير المجاورة أصبحت ذات تأثير ضعيف في فرض رغباتها وانزوت على نفسها أمام البعبع الإيراني الذي أحالته أميركا في عيونها الى مارد ، فاكتفت المجموعة الخليجية منها بإجتماعات مجلس التعاون الخليجي الدورية وإلقاء الخطب ووضع الطلبات على بنود البيانات الختامية والتي يتم رفض معظمها من قبل إيران مباشرة وفي نفس اليوم . في حين تقوم دول أخرى كان لها وزنها سابقا مثل مصر بالتآمر الفعلي . ومثل الأردن الذي تربطه بإسرائيل وأميركا خصوصية سياسية وإقتصادية .
 
ـ دول المنطقة الإقليمية هذه بمجموعها أصبحت تدور في الفلك الأمريكي طائعة أو كارهة ، فهي والحالة هذه ستكون عندما يحين الوقت أجزاء في ماكنة المشروع الخبيث الكبير والذي هو قيد التنفيذ منذ سنوات ، ذلك هو مشروع الشرق الأوسط الكبير ، أو " سايكس ـ بيكو " القرن الحادي والعشرين ..!!
 
ـ إسرائيل كانت ولاتزال تعمل على تحقيق حلمها التوراتي الصهيوني في الأرض الممتدة بين الفرات والنيل . هاهي تقف اليوم على الفرات وعلى النيل ، ولم يتبقى إلا تطويع الأرض بينهما ، وليس أفضل من ذلك إلا تفتيت المنطقة الى دويلات .. وليس أفضل من إعتماد سياسة التفتيت على أساس قومي عرقي عنصري كما هو الحال بالنسبة للأكراد وخطط إنفصالهم ، وعلى أساس تفتيت الوحدة الإسلامية والعربية من خلال تشويه الدين والعروبة بنظام مثل النظام الإيراني الكاره للعرب والمشوه للإسلام وخلق " موضة الإرهاب الإسلامي " مثل القاعدة وغيرها من  الأحزاب المتأسلمة المستسلمة التي تتبنى البعض منها إيران على الرغم من الإختلافات الآيديولوجية الظاهرة بينهما . 
 
لم يكتفِ البارزاني بطرح شعار تقرير المصير الذي هو مقدمة لخطوة جديدة قادمة ، بل وضعت قيادة حزبه على حكومة بغداد شرطا ( جزائيا ) بأنه في حالة عدم تقديم تعهد مكتوب من قبلها بالموافقة على نقاطهم فإنهم سوف لن يؤيدوها في البرلمان الجديد وأنهم سيسقطونها في حالة إنسحابهم ..!!  
يفترض والحالة هذه على حكومة كما تدعي أنها حكومة مركزية ، مستقلة ، منتخبة ، وصاحبة قرار أن تقوم بالمقابل ولو لمجرد فرض هيبتها كحكومة إن كانت هناك بقايا من (مرجلة وكرامة) وكل أركانها كانوا جالسين بين يدي البارزاني وهو يلقي كلمته في أربيل .. أن تعلن أن حق تقرير المصير قد تم إعلانه فعلاً من خلال الإعتراف بوجود حكومة داخل العراق تسمى حكومة كردستان بكامل مواصفاتها وبرلمانها وسلطاتها بل وجيشها الذي تمنح بغداد رواتب منتسبيه من ميزانية الدولة . وأن لهذه الحكومة المحلية كامل سلطاتها في تقرير مصير إقليمها وشعبه ، وأن ذلك لايخرج عن نطاق الدستور الذي يصف العراق بالدولة الفيدرالية ..!!
 
خرج بعد ذلك نيجرفان إدريس البارزاني إبن شقيق مسعود ليعلن علينا (خطأ) البعض في تفسير كلام السيد مسعود من أن حق تقرير المصير للكرد يعني الرغبة في الإنفصال .وأن الأكراد جزء من العراق !!
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا التصريح الذي لايتسم حتى بلغة دبلوماسية لأنه لم يوضح لنا المقصود تحديدا بكلمة عمه ، وأبسط مايوصف به هو لغة إستغفالية وتضليلية وضحك على حكومة وشعب أصبحا مغلوبان على أمرهما ولايملكان منه شيئا .
 
ماذا إذن تعني كلمة حق تقرير المصير ..؟
إذا كان الأكراد لديهم إقليمهم بمساحته الجغرافية وحدوده .
وإذا كان الأكراد لديهم علمهم الخاص
وإذا كان الأكراد لديهم حكومة متكاملة من رئيس وئيس وزراء ووزراء ، وسلطة تشريعية هي برلمان كردستان ، وسلطة قضائية .
وإذا كان لزعمائهم زياراتهم الرسمية الخاصة للدول وبمعزل عن مايسمى بحكومة بغداد .
وإذا كان الأكراد يوقعون إتفاقيات إقتصادية وتجارية دولية بما في ذلك بيع النفط العراقي لمجرد وجود بعض مصادره ضمن حدود الإقليم .
وإذا كان للأكراد جيشهم الخاص بعدته وعدده ، وقوى أمنهم وإستخباراتهم .
وإذا كان الأكراد لديهم لغتهم الخاصة حتى في التعامل الرسمي وتم فرضها على عرب العراق في مؤسسات الدولة الرسمية .
وفوق كل ذلك لديهم سلطة أخذ الأتاوة من حكومة بغداد .. رئيس جمهورية ، وزراء لوزارات مهمة ، كتلة برلمانية ، مخصصات مالية من الميزانية .. وطلبات لاتنتهي تصل حد تركيع حكومة بغداد .. ومطامع لاتقف عند حد في الإستيلاء على أراضٍ تابعة جغرافيا لمحافظات أخرى مثل نينوى وكركوك وديالى وصلاح الدين .
 
أبعد كل هذا مايستوجب طلب حق تقرير المصير ، اللهم إلا إذا كان المقصود إعلان الإنفصال والإستقلال كليا عن العراق ..؟؟!!
فماذا ستفعل حكومة المالكي أو غيره أزاء كل ذلك .. وهل تقدر من فعل شيئ ..؟؟
 
فهل يتكرم علينا السيد نيجرفان وعمه بتقديم تفسير لمعنى : من حق الأكراد تقرير مصيرهم ..؟
فنحن كشعب عراقي ، وهم جزء من هذا الشعب كما يقول ، من حقنا أن نفهم تصريحات رئيس الإقليم الكردي .. أم ياترى أنها زلة لسان أخرى ..!!؟؟
 
يقول الكاتب التقدمي الكردي الأستاذ الدكتور كمال مجيد متحدثا عن قصة وقعت له عندما كان يعمل أستاذا في جامعة " كاردف " البريطانية .. وكان من ضمن طلبته السيد برهم صالح ، رئيس وزراء إقليم كردستان حاليا ، أنه وعندما ذكر في معرض حديثه كلمة ( العراقيين ) ، إنتفض برهم صالح قائلا له باللغة الكردية : لماذا توسّخ لسانك بهذه الكلمة ..؟؟!!
 
فهنيئا لحكومة عملاء بغداد .. وهنيئا للسياسيين الإمعات الجدد بمن فيهم من يدّعون أنهم في صف المعارضة .. وويل لهم من يوم قادم !
 

 

No comments:

Post a Comment