Friday 18 May 2012

هوَّ واحد يكدر ياخذها حتى ننطيها !





هذه كانت إحدى الحِكَم التي أطلقها نوري المالكي في مؤتمر صحفي له مع بدء أزمة فشله في الحصول على أغلبية الأصوات في الإنتخابات وبدء مناوراته للتشبث حتى الرمق الأخير بكرسي رئاسة الحكومة مبتدءأ ذلك بإعلانه في نفس ساعة الإعلان عن النتائج بالقول ( أنها ليست النتائج النهائية ) ، ثم أعقبها بتخريجاته الخاصة بأن تشكيل الحكومة يتم من قبل الكتلة الأكبر داخل البرلمان واستخدامه رئيس المحكمة الدستورية مدحت حسين النعلبند المعروف بمدحت المحمود لإصدار قراراً بذلك ، ثم دخوله في مفاوضات التحالف مع الإئتلاف الوطني الذي يقوده المجلس الأعلى الإسلامي بعد مناورات أشبه بالتمثيلية كان الكل يلعب فيها دوره المرسوم بدقة داخل العراق ومن خلال زياراتهم لدول المنطقة والكل يعلم في الداخل والخارج أنهم وبلا إستثناء قد رضعوا نفس الحليب الفاسد من نفس الثدي الفارسي الفاسد

في بداية التمثيلية رفض المالكي التحالف معهم .. ورفض الصدريون التحالف معه وهم جزء من الإئتلاف الوطني .. ورفض الحكيم إقصاء القائمة العراقية أو وصمها بالبعثية وطالب بعقد مؤتمر المائدة المستديرة ودعا لحكومة مشاركة ، وهي كلمة منقحة بلطف لحكومة محاصصة طائفية وعرقية أخرى .. ثم أعلنت المفوضية العليا للإنتخابات موافقتها على إعادة فرز أصوات محافظة بغداد يدوياُ بناء على طلب المالكي بعد أن كان فرج الحيدري يرفض ذلك رغم علم الجميع أن ذلك سوف لن يؤثر على  النتائج وبإعترافهم وكانت الغاية كما هو معروف إطالة أمد تشكيل الحكومة وكسب الوقت للخطوات التالية ..
وفجأة وكأن الأمر قد صدر لهم تم إعلان تحالف الإئتلافين ، ليعلن بعدها المالكي وغيره أن الحكومة وبموجب ( قرار المحكمة الدستورية العليا ) لصاحبها مدحت النعلبند يجب أن تشكل من الكتلة الأكبر داخل البرلمان وليس من الكتلة الفائزة بأكثر الأصوات الإنتخابية ..!!

هناك قاعدة سيكولوجية في اللغة السياسية تقول : الكلام شديد اللهجة من قبل السياسي يجد دائما صدىً على المستوى الداخلي .. وهذا بالذات ماأراد أن يفعله المالكي .. ولكن هل فعله عن أمره ..؟ أشك في ذلك لأسباب منها جهل المالكي وطاقمه لكثير من قنوات التعامل السياسي وهذا قد ثبت بالتجربة ، ولكونه ليس في وضع داخلي أو إقليمي يمكنه من إطلاق تصريحات معادية واستفزازية بهذا الشكل ضد
حلفائه الطائفيين أو خصومه السياسيين  ، ثم ليصل الى الدرجة التي يوجه فيها إنتقاداته الى الحاكم الفعلي في العراق أي الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم قواتها باحتلال العراق وحماية أدواتها هناك ومنهم نوري المالكي .

لقد صرح يوم أمس لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية بالحرف الواحد : ( أنه لامكان للولايات المتحدة الأمريكية في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة لأن الضغوط الأمريكية في العراق قد تؤدي في نهاية المطاف الى آثار سلبية . وأن المطالب الأمريكية للإسراع في تشكيل الحكومة ستكون على حساب نوعية هذه الحكومة وإن المصالح الأمريكية ستتضرر أيضاً جراء ذلك وأن من لديه الكتلة الأكبر بإمكانه أن يشكل الحكومة . ) ـ لاحظوا التركيز دائماً على جملة الإسراع في تشكيل الحكومة ـ

إذن هو عامل المماطلة ومحاولة كسب الوقت وإطالة أمد تشكيل الحكومة الذي يسعى اليه المالكي كورقة أخيرة للوصول الى نهاية آب وهو الموعد المحدد من قبل الأمريكان لسحب قواتهم من المدن وتخفيض أعدادها وحصرها في القواعد العسكرية على أرض العراق ، خصوصاً وأن كريستوفر هيل سفير اميركا في العراق كان قد أعلن لصحيفة الشرق الأوسط من النجف ( ولاندري ماذا كان يفعل هيل في النجف هل هي زيارة أم إستشارة ..؟؟ ) أعلن أن الإدارة الأمريكية ملتزمة بإتفاقية سحب القوات الأمريكية من العراق والموقّعة مع الحكومة العراقية ..!!

يبدو أن المتحالفين والمؤتلفين مع المالكي متفقون على هذا المبدأ وهو إطالة فترة الفراغ الدستوري وإبقاء المالكي في لعبة تبدو في ظاهرها عملية تنافسية ولوي للذراع  بين واشنطن وطهران حيث تحرص فيها الأولى على الإسراع في تشكيل حكومة ( وحدة شراكة وطنية ) ! ، في حين لاتزال الثانية وهي المشاكس الأكبر للشيطان الأكبر مستمرة في خلق حالة البلبلة والفوضى في العراق . في حين أن حقيقتها لاتتجاوز حلقة من حلقات الإتفاق بين البلدين العدوين الصديقين .!
فهل غابت عن الذاكرة العربية والعراقية نظرية الفوضى الخلاقة التي بني عليها إحتلال العراق وضرورة إستمرار هذه الفوضى لتحقيق الأهداف الأكبر كما أعلن مهندس الإحتلال دونالد رامسفيلد ؟ وهل نسيت هذه الذاكرة تصريحات خاتمي وأبطحي ورافسنجاني في التعاون مع أميركا في إحتلال العراق وأفغانستان ؟ وهل نسيت هذه الذاكرة أن إحتلال العراق بالذات ماهو إلا الخطوة الأولى لمخطط أكبر يسمى مشروع الشرق الأوسط الجديد لإعادة تقسيم دول المنطقة بدءأ بالعراق والذي تبناه منذ التسعينات من القرن الماضي جوزيف بايدن والذي هو نائب الرئيس الأمريكي الحالي .؟ 

نوري المالكي ورقة أمريكية صالحة للعب في الوقت الحالي من خلال قراءة مستفيضة وعميقة لماضيه الإرهابي وشخصيته المهزوزة وحبه للتفرد ومحاولته أن يخلق من نفسه ديكتاتورا .. عوامل تطابق تماماً الرغبة الأمريكية في هذه المرحلة . ولكن هذا أيضاً لايعني بالضرورة أن إبقائه على رأس السلطة في العراق قد تم حسمه نهائياً فهناك عوامل وظروف ومتغيرات دولية تقتضي أحياناً إجراء التعديلات في الخطط السياسية .. وأنا لاأتكلم هنا عن القوى السياسية في الداخل العراقي فهذه في حقيقة الأمر لاتعني الكثير وليست أكثر من جعجعات بلا طحين وأميركا تعرف ذلك جيداً .

ولكن أيضاً ..

أميركا ليست بحاجة الى حكومة عراقية مستقرة وقوية لأن معنى ذلك أنها قد حكمت على مخططها الذي رُسم صهيونياً ونُفّذ على يد متصهيني الإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد ، بالفشل وهو مالاتريده .

أميركا لاتريد حكومة وحدة وطنية حقيقية في العراق لأن ذلك سيحكم بالموت على نظرية الفوضى الخلاقة بل هي على العكس من ذلك تريد الإبقاء ماأمكن على الصراع الطائفي والعرقي بالدرجة الأولى وهي الأسس التي وضعها بريمر في قوانينه التي أصدرها وتشريعات دستوره الذي يطلق عليه الدستور العراقي !

دول المنطقة المجاورة للعراق خصوصاً شماله وجنوبه ، غربه وشرقه ، وبدون إستثناء تلعب دورها المرسوم سواء مااتصف منه بالإعتدال أو بالتطرف فهي في نهاية المطاف ليست سوى أجرام صغيرة تدور في الفلك الأمريكي وأنها تدرك لعبة العصا والجزرة ، وبكلام أوضح ( العصا لمن عصى ) !!

ولكي لاننسى ..

قال الناطق بإسم البيت الأبيض توني سنو في كانون الثاني عام 2007 ( لاحظ التاريخ ) : ( إن البيت الأبيض يؤكد ثقته بالمالكي وبتعاونه بشكل كامل مع هذه الإدارة بهدف تطبيق الخطة الجديدة للرئيس بوش .  واضاف توني سنو إننا أمام شخص ـ يقصد المالكي ـ ينوي تحمل كل مسؤولياته جديا حين يتصل الأمر بالأمن في العراق .)
أما ديفيد وولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية فقد عقب : ( إن ثقتنا بالحكومة العراقية كبيرة ولكن لاتعني أنها بدون حدود ، وأمامنا مسؤوليات وإلتزامات أمام الشعب الأمريكي ومحاسبة الحكومة على واجباتها ، لدينا الوقت ولكن ليس الكثير من الوقت ، والناس تريد أن ترى تغيير في الوضع .) !!

ليست الغرابة هنا في تصريحات سنو أو وولش ، ولكن الغرابة حقاً أن هذه التصريحات جاءت بعد تصريحات أدلى بها المالكي لثلاث صحف عالمية إضافة الى وكالة الصحافة الفرنسية ، وكان هذا نصها:

( الإدارة الأمريكية شارفت على النهاية وليست الحكومة العراقية . لم يكن بوش بالضعف الذي هو عليه الآن . ويخيل لي أنهم هم في واشنطن الذين شارفوا على النهاية وليس نحن هنا في بغداد ) . ولم ينسى المالكي توجيه النقد الى كوندليزا رايس حول ماقالته من أن الحكومة العراقية ضعيفة ، فقال : ( أود أن أنصح كوندليزا بأن تتجنب التصريحات التي لاتخدم سوى الإرهابيين ....!! )

هذه كانت مجمل تصريحات المالكي للصحف العالميه وهم صحيفة ( كورييري ديلا سيرا ) الإيطالية وصحيفة ( التايمز ) البريطانية و صحيفة ( واشنطن بوست ) الأمريكية ، إضافة الى وكالة الأنباء الفرنسيه .

فكيف يمكن بعد ذلك أن نقرأ الموقف الأمريكي الحقيقي من نوري المالكي ..!؟
وماذا يدور في الخفاء لمرحلة مابعد الإنتخابات العراقية ..!؟
وهل أن حلفاء المالكي فقط هم مَن يعرف أبعاد اللعبة في الوقت الحاضر .. أم أن خصومه ومنافسيه يدركونها أيضاً إن لم يكونوا طرف في تنفيذها ..!؟
وما سر التشاورات التي جرت بعد الإنتخابات مع حكومات دول الجوار العراقي من قبل جميع الساسة العراقيين حلفاء وخصوم المالكي ، ماعدا المالكي نفسه ..!!؟؟
هل كُتبَ علينا أن تكون ذاكرتنا قصيرة فننسى مجريات الأحداث وتسلسلها .. أم أننا فعلاً كما وصفنا يوماً وزير دفاع إسرائيل موشي دايان أننا شعوب لاتقرأ ..!!؟؟

25/05/10

 

No comments:

Post a Comment