Thursday 17 May 2012

السـلاح الحقيقي للدمار الشامل في العالم الثالث .. ليس السلاح ! بل هو الدين والعِرق والطائفة



سلاح الدمار الشامل نووياً كان أو بيولوجياً أو كيمياوياً كما هو معروف ، هو السلاح الذي تمتلكه الدول التي تهيمن على العالم بالقوة العسكرية والصناعية والإقتصادية ، أي الدول الكبرى التي ترفع في وجوهنا شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان . كما ويُسمح وبموافقتها فقط لدول أخرى أن تمتلكه ، وذلك عندما يُراد لهذه الدول أن تستخدمه إما أداة  لإنتحارأنظمتها السياسية عندما يقرر الكبار أن تفعل ذلك ، أو لترهيب الغير به ، أو لإستخدامه فعلاً عندما تصدر الى حكوماتها الأوامر ممن أعطى الترخيص بإمتلاكه لكي تستخدمه .
هذه ، وبكل بساطة ، المعادلة الدولية لمفهوم هذه الأسلحة . أما خارطة توزيعها فهي تكاد تشمل مايطلق عليه الدول ذات العضوية الدائمية في مجلس  ( الأمن ) ! بالدرجة الأولى .. أي الدول التي ومنذ أكثر من قرن من الزمن ، وحتى قبل إختراع وإنتاج هذه الأسلحة ، كانت قد بدأت فعلاً بتقسيم العالم واقتسامه بما كانت تمتلكه من مقومات وقوة الثورة الصناعية وما جلبته من قوة عسكرية مدمرة بمفهوم ذلك الزمن ضد الدول المتأخرة والفقيرة إقتصادياً وتكنولوجياً .. والتي تم تطييب خاطرها بأن أطلقوا عليها الدول النامية ..!

إضافة الى مراكز القوى الرئيسية هذه ، فإن الدول الأخرى التي تحمل الترخيص لإمتلاك الأسلحة المدمّرة هي إما دول تعتبر جزء لايتجزء من مراكز القوى الكبرى ، أي اكثر من كونها دول حليفة فقط ، كما هو الحال مع إسرائيل ، التي سُمِح لها إمتلاك السلاح النووي منذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي أي بعد بضع سنوات فقط من قيامها في 1948 ، أي خلال بضع سنوات فقط من إمتلاك الدول الكبرى الثلاث آنذاك أميركا وبريطانيا والإتحاد السوفياتي للسلاح النووي ، وإستخدامه أمريكياً ضد اليابان لتحقيق النصر النهائي في الحرب العالمية الثانية .
ولا شك أن إسرائيل تعتبر دولة تم إنشاؤها كذراع للدول الغربية وليست كدولة حليفة لها .. وأنها تقع على حافة بحيرات النفط العملاقة في المنطقة التي تعود الى دول مهما بلغ تحالفها مع الغرب فهي دول عربية وإسلامية تم تحديد دورها ، إذا ماأراد حكامها البقاء في السلطة ، بإزدواجية إقتصادية فريدة تتلخص في كونها ( إنتاجية إستهلاكية ) !! . إنتاجية للنفط لدول الغرب وبواسطة شركاته النفطية فقط والتحكم بسوقه وأسعاره من قبلهم  .. وإستهلاكية لمنتجات الغرب الصناعية بأموال النفط التي تُدفع لها ثم تؤخذ منها ويحتفظ بالفائض منها في البنوك الغربية لتدر ارباحاً إضافية وتمنح قوة لإقتصاد تلك الدول وتكون بالنتيجة تحت إدارة ووصاية البنوك الغربية المملوكة معظم أسهمها من قبل مصرفيين يهود . دورة إقتصادية محكمة ومغلقة في نفس الوقت !!

يذكرني ذلك بندوة حوارسياسية في مطلع الثمانينات بثتها على الهواء على ماأتذكر قناة التلفزيون    وكان الموضوع يدور بين عرب ويهود في بريطانيا حول القضية الفلسطينية(ITV)الثالثة البريطانية وتحمس أحد المناظرين العرب فقال نحن نمتلك البترول وهو سلاح ضغط دولي مهم في المعركة ،  فأجابه اليهودي بما معناه : أنتم تمتلكون البترول ونحن أصحاب البنوك !!
(You have the petrol and we are the bankers (
نعم هذه هي الحقيقة المرّة التي وجدنا أنفسنا في وسطها ..!
وإذا مأردنا أن نضيف حقيقة أخرى الى ماتقدم .. تلك هي الأخطار العسكرية المحدقة بالدول الغنية مالياً أو المهمة بمواقعها الجغرافية الإستراتيجية كما هو حال الدول العربية بوجود إسرائيل ، فإن سوقاً مهمة باهضة الثمن سيتم فتحها أمام صادارات الدول الصناعية الكبرى .. تلك هي سوق السلاح والتسليح العسكري !!!
وهكذا تمضي معادلة الإستنزاف .. كما هي بين الذئاب والخراف !

لقد أُعطي الضوء الأخضر لدول مثل باكستان والهند على سبيل المثال ، وهما في صراع تقليدي طويل بإمتلاك الذرة والسلاح النووي لما تقتضيه مصلحة الغرب في تجنب أي مواجهة عسكرية جادة بينهما بعد أن أصبحا دولتين نوويتين من جهة .. ولأهمية موقعهما الجغرافي في منطقة ساخنة من العالم محاددة للصين وروسيا وأفغانستان .. وقد يحدث الشيئ نفسه مع إيران ، على الرغم من أن البعض سوف يستغرب من طرح كهذا ، ولكن مؤشرات البوصلة السياسية لحد الآن تشير الى مهادنات وتفاوضات وتصريحات وربما إتفاقات تحت الطاولة أو فوقها ، والأيام كفيلة بإثبات ذلك من نفيه .

في دولة كالعراق ، وهي من ضمن أولويات مشروع التقسيم الدولي الجديد والذي عرفناه بإسم مشروع الشرق الأوسط الجديد .. وهو بالمناسبة ليس الأول الذي يدخل حيز التنفيذ ، وليس فقط مايتعلق بالشرق الأوسط فقد سبقته مشاريع ومخططات مشابهة في مناطق عدة من العالم خلال الربع قرن الأخير ، بدءاً من عملية تفتيت الإتحاد السوفياتي ، الى عملية تفتيت يوغسلافيا الإتحادية وخلق جراء ذلك مجموعة دول جديدة أعطيت إستقلالها بعد أن تم إقتطاعها من الوطن الأم حتى أننا لانكاد نعرف أو نحصر أسماءها .. والخطة نفسها بدأت في جنوب شرق آسيا .. ويجري العمل عليها بهمة في المنطقة العربية بدءاً بالعراق على وجه التحديد .

نقول في دولة كالعراق ، ومن هو على قائمة المشروع التقسيمي الجديد من الدول العربية بحدودها الجغرافية الحالية التي رُسِمت لها بنفس الطريقة قبل 90 عاماً بما يعرف بمعاهدة سايكس ـ بيكو ، وهما إسمي وزير خارجية بريطانيا وفرنسا عند إنتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 .. في دول كهذه تجمعها شاء حكامها أم أبوا ، وشاءت الدول الكبرى أم أبت .. عوامل وروابط قوية وتاريحية متينة نابعة من الدين أو القومية أو كليهما .. فإن عملية التنفيذ لمشروع التفتيت الشرق أوسطي يجب أن تتم من الداخل ومن خلال صراعات دموية تعتمد الدين أو القومية أوالطائفة أوالعشيرة .. وهكذا . وهذا بالضبط ماتم ويتم إختباره في إنبوبة الإختبار العراقية منذ 2003 وحتى قبل ذلك ولحد الآن .

أول خطوة إتخذها الحاكم بأمره في العراق تحت الإحتلال عام 2003 ، بول بريمر ، ومن قبله جي كارنر .. هو وضع أسس الحكم وفق تقسيمات طائفية بين الشيعة والسنة ، وبين العرب والأكراد !! وتم تعميق وتكريس هذا النهج سنة بعد أخرى من خلال خلق الصراعات في السلطة الكارتونية نفسها ، والأهم خلق صراعات أعمق بين شرائح الشعب العراقي بالإعتماد على القيادات الجديدة بشقيها الطائفي والعِرقي .. تسير جنباً الى جنب مع هذا الخط عملية تدمير منظمة للإقتصاد والمرافق العامة والخدمات وتأجيج حالة الفوضى وفقدان الأمن على يد ميليشيات السلطة وسلطة الإحتلال لخلق الأجواء المناسبة لتفكيك النسيج الإجتماعي العراقي قبل أن يتم التفتيت الجغرافي للعراق .
يمكن أن أستعرض بشكل سريع ومختصر بعضاً مما تم ذكره :

ـ  مابين عامي 2003 و 2005 تم ضرب أو تدمير حوالي 200 مسجداً تعود لأهل السنّة ، وإغتيال عدد من أئمة هذه المساجد .
ـ  تم تفجير مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام في مدينة سامراء ذات الأغلبية السكانية السنية وبما لهذين المرقدين من مكانة دينية وقدسية لدى المسلمين وخصوصاً أبناء الشيعة .
ـ  تم الإعتداء بعمليات إرهابية على تجمعات للشيعة في مناسبات دينية في كل من كربلاء والنجف والكاظمية .
ـ  ضرب وتدمير كنائس للمسيحيين خصوصاً في بغداد والموصل ، بعضها لها أهمية تراثية وتاريخية إضافة الى أهميتها الروحية لمسيحيي العراق كأماكن للعبادة .
ـ  إغتيال شخصيات دينية مسيحية رفيعة مثل المرحوم المطران فرج رحو في الموصل والذي كان يحظى بإحترام أهل المدينة مسلميها ومسيحييها كرجل دين وداعية سلام .
ـ  دعم وتشجيع المليشيات التابعة للحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني (البيشمركة) في التدخل الإداري القسري في شؤون محافظة نينوى ذات الأغلبية العربية ، وإعلان إنفصال بعض الأقضية والنواحي والقرى التابعة للمحافظة إدارياً بعد أن فازت القائمة العربية في الإنتخابات المحلية الأخيرة .. ثم التمادي في إعتبار مناطق أخرى من المحافظة ضمن حدود مايسمى إقليم كردستان من خلال دستور الإقليم الجديد !
ـ  خلق مشكلة إدارية مشابهة تدخل ضمن مايمكن إعتباره تقسيم أو تفتيت جغرافي لوحدة الأرض العراقية وذلك مابين محافظتي الأنبار السنية وكربلاء الشيعية في أعقاب إنتخابات المجالس المحلية الأخيرة .
ـ  تعميق وتكريس التغيير الديموغرافي لمحافظة كركوك من خلال عمليات توطين وتزوير وفرض الحلول بالقوة على السكان العرب والتركمان في المحافظة . وهذه المشكلة قد أصبحت في قمة مشاكل التقطيع العرقي والإقتصادي أيضاً للشعب العراقي وموارده النفطية .
ـ  إغماض الأعين من قبل القوات المحتلة ومنذ اليوم الأول على التدخلات الخارجية في شؤون الأمن العراقي خصوصاً من قبل إيران وسوريا والكويت والسماح للعناصر الإرهابية ومن كافة الألوان بالدخول الى العراق عبر حدوده التي أُهملت مراقبتها كما ينبغي ، وإذكاء أعمال الإرهاب وفقدان الأمن الداخلي في العراق نتيجة لذلك .
ـ  التعمد في إلقاء تبعات مايحدث سواء من قبل الإدارة الأمريكية في العراق أو السلطة الحاكمة في بغداد على أحد الفريقين : القاعدة أو المقاومة العراقية وإغفال دور المليشيات المسلحة التابعة للسلطة أو غير السلطة .
القاعدة وكما قد أصبح معروفاً للجميع أنها صناعة أمريكية منذ نشوئها في تورا بورا في أفغانستان وفي باكستان .. وأنها قد أصبحت مؤخراً إحدى أدوات التدخل الإيراني في العراق .
أما المقاومة العراقية بشقيها الوطني القومي والإسلامي فإن كافة الدلائل تشير ومنذ إنطلاقها أنها تستهدف فقط القوات الأجنبية المحتلة للعراق والمتعاونين مع الإحتلال .
يلاحظ هنا أن ماكنة الإعلام الأمريكية وتوابعها تكاد تهمل بالكامل أية إشارة الى ماقامت وتقوم به المليشيات المسلحة التابعة للأحزاب الدينية الطائفية أو العِرقية فيما يمكن إعتباره من الأهداف الإستراتيجية للخطط الأمريكية في العراق من أجل الوصول الى المراحل النهائية في تحقيق الهدف النهائي في مخطط التقسيم . وكل ماصدر فعلاً عن هذا الإعلام لايعدو أن يكون للإستهلاك المحلي والتضليل على المستوى الداخلي العراقي .

نخلص من كل ذلك الى محصلة لم تعد تقبل الشك أو التأويل ..
تم إحتلال العراق تحت ذريعة وجود أسلحة دمار شامل مع علم الإدارة الأمريكية الكامل ببطلان هذا السبب .. فإذن هي عملية تضليل عالمية للدول المشاركة بالإحتلال والمتعاونة معه واستغلال فرضيات المظلومية والتباكي على حرية الإنسان العراقي المسلوبة .
هذا الإحتلال الذي تم الإعداد له لأكثر من عقد زمني ، ماهو إلا خطوة أولى في مشروع صهيوني / أمريكي لإعادة رسم خريطة المنطقة جغرافياً وسياسياً . ويلاحظ هنا التزامن في خطوات المشروع بين مايحدث في العراق وبين بوادر المخطط الأولية في منطقة الخليج ، السعودية والبحرين بشكل خاص من منطلق طائفي وعنصري فارسي ، ومايحدث في لبنان والقرن الأفريقي من خلال عمليات الإنفصال المستندة على الدين والطائفة كما يحدث في جنوب السودان ومشكلة دارفور على وجه الخصوص .

المشروع الإمبريالي وكما ذكرنا أكثر من مرة شمل مناطق عديدة من العالم تحت إدارة القطب الواحد أو الديكتاتورية السياسية الأمريكية ، ومن ضمنها مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يعتبر الأب الروحي له هو " جوزيف بايدن " ومن أكبر المتحمسين له في إدارة بوش " روبرت غيتس " وكلاهما يشغلان اليوم مناصب سيادية في الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس أوباما .. الأول نائباً له والثاني وزير دفاعه ..!!
15/07/09
   

No comments:

Post a Comment