Friday 18 May 2012

القيادات النائمة الحلقة الأولى




في فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي ، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية  نهضة تقنية وعلمية متقدمة في علم الإدارة ، ساهمت فيها كأي علوم أخرى بحوث ودراسات وحتى نظريات قدمتها الجامعات الأمريكية المتخصصة وتلاقفتها المؤسسات والشركات وعملت على تطبيقها .. وكان من أشهر العلماء والباحثين في هذا المجال آنذاك البروفيسور ( دوايت والدو ) .. وكانت إحدى أطروحاته الإدارية تقوم على مبدأ أطلق عليه (( حلقة تبديل الوجوه )) ، ليصبح بعد ذلك أحد المبادئ الداخلة في علم السياسة وليدخل كما يبدو بوابة " البيت الأبيض " كما أثبتت العقود الزمنية اللاحقة لتلك الحقبة على أصعدة السياسات الخارجية الأمريكية على وجه التحديد ، وهذا ماسنأتي على ذكره لاحقاً على ضوء ممارسات السياسة الإمبريالية بزعامة اميركا والعلاقة بينه وبين ماأطلقت عليه مجازاً (القيادات النائمة).

في تلك الفترة الزمنية ، كانت السياسة الأمريكية قد بدأت تلعب  دور أخذ المبادرة لتحل محل الإمبراطوريات الإمبريالية القديمة والتي بدأ الشيب والعجز يغزوها مثل بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا مستغلة بذلك الدور الكبير الذي قامت به في أواخر سنين الحرب العالمية الثانية  1939 ـ 1945  إبتداءاً من إنزال نورماندي الشهير على السواحل الفرنسية وطرد قوات النازي الألمانية ، وإنتهاءاً بجريمة القرن العشرين حينما ألقت قنابلها الذرية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان حليفة ألمانيا لتنهي الحرب العالمية لصالح الحلفاء بعد أن تم حرق أكثر من 100,000 مدني في تلكما المدينتين ، وبقيت اجيال بعد ذلك تعاني من التشوهات الخَلقية ولكن اميركا كانت قد أسست قواعدها العسكرية هناك وفي عموم الشرق الأقصى والمانيا وإيطاليا وحوض المتوسط ثم في دول الخليج العربي، ولاتزال حتى يومنا هذا .

في تلك الفترة أيضاً كانت الحرب الباردة بين أميركا والإتحاد السوفياتي في ذروتها ، وكان مسرح تلك الحرب يمتد من جنوب شرق آسيا الى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومجموعة دول الكتلة الشرقية في أوربا نفسها ، وهذه المناطق كانت تحت سيطرة القواعد الأميركية أو أساطيلها الحربية.

منطقة الشرق الأوسط ، وتحديداً المنطقة العربية وما يجاورها من الدول ، كانت تعتبر البقعة الساخنة على خارطة السياسة العالمية لعوامل عديدة ، منها كونها تجلس على بحيرة من النفط وهو من أهم الأسباب . وفيها الممرات البحرية بالغة الأهمية للتجارة العالمية  مثل قناة السويس ، مضيق هرمز ، وباب المندب . وهي منطقة صراع بين القطبين العالميين آنذاك ، الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة . وهي أيضاً مركز ظهور الحركات الإسلامية والحركات والأحزاب القومية والوطنية والتي قادتها لكي تكون مركز مهم من المراكز السياسية في العالم وخصوصاً بعد زرع إسرائيل في قلب الوطن العربي ، والتي بدورها أفرزت ثورات شعبية وإنقلابات عسكرية في العديد من الدول الى جانب قيام حركات التحرير الوطنية والقومية المسلحة ومن أهمها  : حرب التحرير الجزائرية ، وجبهة تحرير ظفار في عُمان ، ومنظمة التحرير الفلسطينية .. وفوق كل ذلك من وجهة نظر السياسة العالمية هو وجود إسرائيل وسط هذا البحر المتلاطم ودعمها اللامحدود والحفاظ على وجودها . فلاغرابة إذاً أن تستحوذ المنطقة العربية على إستقطاب خطط السياسة الإمبريالية بقيادة أميركا .. ولازالت لحد الآن .

كان الكل يعمل بهمة  في دوره المرسوم وعلى خطط تنتهي نهايات خطوطها داخل البيت الأبيض ، والبانتاغون ، والسي آي أي ! سواء كانوا قادة السياسة العالمية أو قادة الصهيونية في إسرائيل أو الحكام العملاء الذي تم تنصيبهم في المنطقة .. وكانت مستجدات هذه الخطط وظواهرها وتداعياتها تتغير بسرعة حتى أصبحت أشبه ب ( الموضة  ) لمن ينظر اليها من الخارج .. ولكنها في الحقيقة كانت محصلات لتداعيات داخلية فرضتها الأحداث لمن ينظر اليها من الداخل ، وهو الواقع ، وما كانت الثورات ضد الأنظمة المتخاذلة والفاسدة إلا واحدة من هذه المحصلات ،  ولو أن البعض منها قد تم تمييعه لاحقاً وإخراجه عن الطريق أو الهدف ليتحول الى وسيلة أخرى في خدمة أهداف السياسة العالمية الغامضة .
ففي الوقت الذي كانت فيه مرحلة الخمسينات وأواخر الأربعينات تشهد ولادة أحزاب وحركات قومية ووطنية .. ومرحلة الخمسينات والستينات تشهد الإنقلابات والثورات وحروب التحرير ، أصبحت مرحلة السبعينات والثمانينات مرحلة إشعال الحروب الإقليمية وإحكام الدسائس والمؤامرات ، لتليها مرحلة الإحتلالات العسكرية بعد تفتيت الإتحاد السوفياتي الى جمهوريات وإنتهاء دوره في مساندة الدول والأنظمة المتحررة ، وإلحاق دول منظومته في أوربا بركب السياسة الغربية والإقتصاد الرأسمالي ، فكانت أفغانستان ثم العراق من أبرز ضحايا المخطط مع بداية فترة التسعينات ولحد الآن .. ولعل أبرز المصطلحات التي ظهرت خلال هذه الفترة الى الوجود هو مصطلح ( الإرهاب العالمي ).!

عرفنا هذا المصطلح في تلك الفترة وبعد أكذوبة 11 سبتمبر مطلع القرن الحالي ومعها مرادفات أسلحة الدمار الشامل وإستهداف دول كأفغانستان والعراق كونها تخطط لضرب الدول الغربية وديموقراطياتها العتيدة باسلحة الدمار التي تمتلكها ولكونها ذات أنظمة ( ديكتاتورية ) أوأنظمة ( إرهابية إسلامية) وتحتضن جماعات متطرفة .. ومعها  برزت أسطورة ( القاعدة ) !!
ولكن يخطئ مَن يظن أن إعتماد مايسمى ( بالإرهاب ) سياسياً هو وليد تلك الحقبة ..!!

في واقع الحال ، فإن مصطلح ( الإرهاب ) الذي سمعنا به في وقت لاحق .. كانت إستراتيجيته قد وضعت بالتفصيل فيما يسمى مؤتمر القدس عام 1968 بمبادرة من بنيامين نتنياهو  رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ..

تفاصيل هذا الموضوع تم نشره في كتاب صدر باللغة الإنكليزية عام 2005 ( * ) ، مؤلفه (نافيز مصدق أحمد) ، كاتب ومؤلف سياسي ، يشغل منصب مديراً عاماً في المعهد البريطاني للبحوث السياسية والتطوير  ( عادة وكما هو معروف فإن مثل هذه المعاهد والمؤسسات تخضع أو تنسق مع الجهات الإستخبارية في الدول الغربية ) .. حائز على جائزة أفضل المؤلفات السياسية . من مؤلفاته : قلع جذور المعارضة ـ حقوق الإنسان في تركيا  3/3/2000                                           تضليل وجهات النظر  30/5/2001                                                                    العنصرية في الأرض المقدسة  24/8/2001                                                             ماوراء الحرب على الإرهاب ـ الإستراتيجية الغربية السرية في العراق  23/6/2003               الحرب على الإرهاب  1/9/2003                                                                       الحرب على الحقيقة  21/8/2005                                                                       تفجيرات لندن  22/6/2007
( * )  تم نشر ترجمة كتاب الحرب على الحقيقة ـ 11 سبتمبر ، التضليل وكشف الإرهاب على 15 حلقة نشر على بعض المواقع الألكترونية ( ترجمة علي الحمداني 2008 ) .

يقول المؤلف لهذا الكتاب مانصه :
{ لنرجع قليلاً الى الوراء ، والى البدايات . فقد إجتمعت نخبة من الناشطين من عدة دول في مؤتمر عالمي عقد في القدس في فلسطين المحتلة لدراسة " الإرهاب العالمي " قبل إثنان وثلاثون عاماً من أحداث 11 سبتمبر في نيويورك ، وعرف المؤتمر ب " مؤتمر القدس حول الإرهاب العالمي " . منظم المؤتمر كان " بنيامين نتنياهو " وتم تنظيم المؤتمر برعاية معهد " جونوثان نتنياهو " وهو شقيق بنيامين ، وكان عقيداً في الجيش الإسرائيلي تم قتله على يد إحدى الفصائل الفلسطينية ، فأسس شقيقه بنيامين ذلك المعهد إحياءاً لذكراه .                                                                             على مدى أكثر من عقدين من الزمن ، قام المؤتمر من خلال توصياته بوضع أسس الآيديولوجية لما يسمى " الحرب على الإرهاب " ثم قام بتأسيس منظمة جعل مقرها في روسيا لمحاربة الإرهاب ، وتوفير الدعم المالي واللوجستي لها .
وضع البروفيسور " فيليب بول " من جامعة سان فرانسيسكو الأمريكية ، دراسة مفصلة مدعومة بالوثائق عن حركة الإرهاب العالمي للفترة من 1968 الى 1978 ، وقد لاقت الدراسة إعجاباً وقبولاً من قبل الرئيس الأمريكي " رونالد ريغان " ، كما لعبت دوراً في تجديد وتحديث الخطط الأمريكية وأعطتها نوعاً من الشرعية السياسية . كان من نتائج وآثار هذه الدراسة قيام تحالفات بين الولايات المتحدة وأنظمة متطرفة وديكتاتورية في العالم ، ولو أنها من نوع التحالفات السرية .. كما أعطت الضوء الأخضر لتحركات أجهزة الإستخبارات لتقصي هذه الحركات .
الآن .. من هم مهندسو " مؤتمر القدس " ( لاحظ الأسماء ـ المترجم )
حسب وثائق فيليب بول ، هم مجموعة من السياسيين والعسكريين من أميركا وبريطانيا وإسرائيل :
ـ مناحيم بيغن . رئيس وزراء أسرائيل لاحقاً ، ورئيس منظمة أراغون الإرهابية الصهيونية سابقاً .
ـ بنزيون نتنياهو . شقيق بنيامين ، لاحقاً بروفيسور في جامعة كورنيل في كندا .
ـ شيمون بيريز . لاحقاً زعيم حزب العمل الإسرائيلي ( رئيس إسرائيل حالياً )
ـ الجنرال حاييم هيروتز . رئيس موساد إسرائيلي سابق
ـ اللواء مايير أميت . رئيس موساد إسرائيلي سابق .
ـ العقيد أهارون ياريف . رئيس موساد إسرائيلي سابق .
ـ اللواء شلومو كازيت . رئيس موساد إسرائيلي سابق .
ـ بول جونسون . رئيس تحرير جريدة " نيو ستيتسمان " الأمريكية .
ـ سير هيو فريزر . نائب عن حزب المحافظين البريطاني ، ووزير مستعمرات سابق .
ـ هنري جاكسون . نائب يميني في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية واشنطن .
ـ ريتشارد بايبس . بروفيسور متخصص في الشؤون الروسية لاحقاً ومستشار لدى الرئيس ريغان .
ـ ري كلن . نائب رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سابقاً .
ـ اللواء جورج كيفان . قائد القوة الجوية الأمريكية سابقاً .
ـ و .. جورج بوش ( الأب ) ...!!! رئيس المخابرات المركزية الأمريكية سابقاً ، ثم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لاحقاً .

لقد أخذ إبن الأخير جورج بوش ، خلال ولايته الدور الأساسي في دفع البرنامج الأمريكي محلياً وعالمياً فيما يتعلق بمكافحة ( الإرهاب ) مستداً على آيديولوجية وتوصيات " مؤتمر القدس " المذكور مع تبديل مصطلح الخطر الشيوعي ، بالخطر الإسلامي !! }

والى الحلقة الثانية والأخيرة من هذا المقال الإثنين القادم بإذن الله .
21/07/10

 

                                                                                                                                    



 


No comments:

Post a Comment