Friday 18 May 2012

حكومة مشاركة وطنية .. أم حكومة مشاركات تآمرية ..؟





ذهب الناخبون العراقيون في السابع من آذار الماضي ، أي قبل حوالي ثلاثة أشهر ، للإدلاء بأصواتهم بعد تلوين أصابعهم بالحبر البنفسجي ، متحدّين لمخاطر ومفاجأت غير محسوبة لايعلمها إلا الله ولا يشعر بها إلا هؤلاء الملايين من البشر الذين يعيشون في العراق وهم يتوجهون الى محطات الإنتخاب .

إتجهت هذه الملايين تحدوها وتدفعها عوامل عديدة منها الشعور بأهمية المشاركة كممارسة ديموقراطية ومنها الرغبة في تغيير حكومة الفساد والفوضى والإنفلات الأمني والنقص الخدمي ، ومنها الإستجابة لأمر المرجعية الدينية أو الأوامر العشائرية بدعوتهم الى المشاركة وماكان عليهم إلا السمع والطاعة إيماناً فطرياً أو عقائدياً  بهؤلاء أو بهؤلاء مع إعتقاد بعضهم إن لم يكن جلّهم ، أن كلا الأمرين لم يكونا لدوافع وطنية خالصة للعراق بقدر ماهي دوافع تقف وراءها مصالح معروفة لم تعد خافية على أحد ..!!

وكأي من شعوب الأرض التي تتجه الى صناديق الإقتراع في دول العالم المتقدمة منها والمتأخرة على حد سواء كانوا ينتظرون النتائج خلال ساعات أو على أبعد تقدير خلال أيام لتعقب ذلك إجراءات تولي الحكومة الجديدة لمهامها في ظل برلمان جديد .

ولعل من الصدف في هذا المجال أن تزامنت إنتخابات دولتين من هذه الدول مع الإنتخابات العراقية ، أحدهما بريطانيا بديمقراطيتها العريقة ، والثانية السودان بدكتاتوريتها ومشاكلها الداخلية وصراعاتها المسلحة .. دولة متقدمة وأخرى متأخرة في مجال الإنتخابات البرلمانية على الأقل .
خلال أيام تم حسم النتائج وتشكيل الحكومة .. في الأولى حكومة إئتلاف من حزبي المحافظين والأحرار لإكمال النصاب القانوني للأغلبية البرلمانية المطلوبة دستورياً ، والثانية بفوز السيد عمر البشير بالأغلبية ثم تنصيبه لرئاسة ثانية .. وانتهى الموضوع في كلا الدولتين خلال أسبوع واحد !

لماذا إذن كان العراق حالة فريدة ومستثناة ..؟
نعم ، العراق لايصنف من ناحية الممارسة الإنتخابية في مصاف دولة كبريطانيا .. ولكن العراق أيضاً يُحكم وتدار شؤونه السياسية بواسطة دولة متقدمة وديموقراطية النظام السياسي أيضاً وهي الولايات المتحدة الأمريكية إضافة الى حليفتها بريطانيا نفسها وقد أعلنتا صراحة رسمياً وإعلاميا أنهما قد إحتلا العراق لإسقاط نظام ديكتاتوري ظالم يشكل تهديداً لأمن المنطقة والعالم ( !! ) ولكي يقيما دولة ذات نظام ديموقراطي تنعم بالحرية والأمن والإستقرار .!
هذه الملاحظة الأولى .

نعم ، العراق أيضاً يعتبر من ناحية النظام السياسي وممارسات العملية السياسية دولة مثل السودان وهناك أوجه تشابه عديدة بينهما منها حالة التخلف ، ومنها غلو الحركات الدينية ، ومنها حركات التمرد وحمل السلاح ودعوات الإنفصال تحت مسميات مختلفة مثل الفيدرالية ، ومنها الصراعات الدينية بين الجنوب ذات الأغلبية المسيحية والشمال ذات الأغلبية المسلمة . هذا في السودان ، يقابلها في العراق أغلبية شيعية في الجنوب وسنية في الغرب والشمال .. عربية في معظم أجزاء العراق ، وأغلبية كردية في شماله فيما يصطلح عليه حالياً إقليم كردستان الذي يكاد أن يكون دولة منفصلة ومستقلة عملياً إلا أنها كما يبدوعراقية مرحلياً فيما يتعلق بحصد المنافع الإقتصادية وتنفيذ سياساتها وتحقيق أهدافها ..!!
وهذه هي الملاحظة الثانية .

لو أخذنا الملاحظة الأولى وما ترتب عليها من تداعيات فسوف نلاحظ الإنهيار الكامل للأهداف الكاذبة المعلنة من قبل إدارتي بوش / بلير ومَن تلاهما .

العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل وهذه الحقيقة تم التأكد منها بسنوات قبل الإحتلال .
العراق لم يكن النظام الديكتاتوري الوحيد أو نظام الحزب الواحد في المنطقة .
ولكن ..
العراق لم يدخل في تحالفات معلنة أو تحالفات تحت الطاولة لامع إسرائيل ولا مع أميركا .
العراق قام بضرب إسرائيل بالصواريخ .
العراق إمتلك قوات عسكرية ذات خبرات قتالية عالية .
العراق دولة نفطية غنية كانت لديه سياسة نفطية مستقلة منذ أن أمم ثروته النفطية عام 1972 .

والحالة هذه ، لو أن الهدف كان منحصراً في إزالة النظام السياسي ( المارق ) كما قال بوش وإستناداً الى ماأوردناه من نقاط ، ثم الحرص من قبل الإدارة الأمريكية على بناء نظام سياسي في العراق الجديد يتمتع بالديموقراطية والحرية وينهض كدولة غنية تمتلك ثروات هائلة وعقول بشرية وإمكانات إقتصادية لاتمتلك مثلها أي من دول المنطقة النفطية الأخرى على سبيل المثال ، أي جعل العراق الجديد وفق المنظور الإقتصادي الرأسمالي واحدة من هذه الدول الغنية ذات السيادة مع إرتباطها بالنظام السياسي الأمريكي بشكل من الأشكال كما هو حال الكثير من دول المنطقة .. لو صح كل ذلك كما تم الإعلان عنه ، لكان من الأولويات المهمة تجهيز البدائل السياسية الكفوءة لكي تتولى عملية التغيير في ظل التوجيه أو لنقل الهيمنة الأمريكية ومنذ اليوم الأول لإسقاط النظام السابق نتيجة الإحتلال العسكري . هكذا يقول المنطق .. ولكن الذي حدث هو العكس بالضبط .. ولم يكن ذلك إعتباطياً أو من قبيل الصدف  فقد قامت الأجهزة الأمريكية المختصة بجمع البدائل أو معظمهم من الشوارع ، نعم من الشوارع ، ولاأقول ذلك تجنياً والأسماء معروفة ..
سائق تاكسي ، صاحب محل بقالة ، حملة دار ورادود مجالس عزاء بعد أن فشل في إجتياز إمتحان الطب رغم شهادته العراقية كطبيب ، بواب عمارة ، معممين جهلة ..، سكير وزبون مدمن لكازينوات القمار في لندن تم إستيزاره في أهم وزارة عراقية وهو مطلوب في حسابه المكشوف لكازينو ( بالم بيج) بآلاف الباونات الإسترلينية تم تسديدها من قبل سفارته لاحقاً ، وهذا الخبر تم نشره في صيف 2003 في إحدى أهم الصحف البريطانية ( الإندبندنت ) ..هؤلاء من بريطانيا ويحملون جنسيتها .. سافروا الى العراق بعد أن جمعوا في مؤتمرات وزودوا بالأموال ليصبحوا أعضاء مجلس الحكم في ظل بريمر ، ثم وزراء بعد ذلك ورئيس وزراء ..!!

الآخر كان يحمل إسماً مستعاراً ويعمل في محل متواضع لبيع الخواتم والسبح في سوق السيدة زينب الشعبي في دمشق ، وله تاريخ في الإرهاب والذي يفترض أن أميركا عدوة الإرهاب والإرهابيين رقم واحد .. إذا به رئيساً للوزراء في العراق الجديد ..!

مجموعة من الإرهابيين والقتلة ، ليس لديهم أي رصيد ثقافي أو عائلي محترم ، سجلهم إجرامي معروف ، معممين محتالين .. يقيمون في دولة ومعظمهم ينتمي عرقياً لها ، تعتبرها أميركا وإسرائيل عدوة لهما ودولة من الدول المارقة .. فإذا الذين قامت تلك الدولة العدوة المارقة بتدريبهم وتأسيس الميليشيات الخاصة بهم وتزويدها بالسلاح والمال ، إذا بهم تجلبهم أميركا من هناك وتدخلهم العراق بالتعاون مع إيران مع جيوشها الغازية خلال وبعد الإحتلال لتسلمهم مناصب رؤساء مجلس الحكم ووزراء ومسؤوليين كبار يعيثون في الأرض فساداً ولصوصية وعمالة مكشوفة لجارة السوء الشرقية وأميركا في العراق مغمضة العينين عن كل ذلك باستهتار فاضح .

لص بنوك ، قد صدر بحقه حكم قضائي ، يفترض أنه مطارد من الأنتربول أو الشرطة الدولية للقبض عليه وإيداعه السجن .. إذا به الرجل رقم واحد الذي إعتمدت عليه أميركا الديموقراطية وزعيمة العالم الحر كما تسمي نفسها في الإعداد لسيناريوهات وخطط إحتلال العراق ، وحتى بعد أن إنكشف أمر تعاونه التجسسي مع إيران ، عدوة أميركا ( !!) وصودرت آلاف الوثائق من مكتبه وداره في المنصور في بغداد ، إذا به لايزال يسرح ويمرح وقيادي بارز في قيادات أحزاب الإئتلاف الوطني ...!!!  

إذن ، الهدف الأمريكي في إحتلال العراق وإسقاط نظامه السياسي والذي يمثل خلاصة السياسة الصهيونية ، لم يكن معنياً على الإطلاق بإحداث تغييرات إيجابية للبلد والشعب ، بل العكس تماماً بدءاً من الإحتلال العسكري نفسه ، الى قوانين ودستور بريمر ، الى شخوص الحكومات العراقية المتعاقبة والتي تم تنصيبها وأطلقت يدها في أعمال الفساد والجرائم والتدمير . وهذا مايثبت أنه ليس من أهداف أو مصلحة الإدارة الأمريكية خلق عراق مستقر كما تدعي .. بل أن أهدافها تذهب الى أبعد من ذلك في المنطقة والتي كان العراق الضحية الأولى فيها وبمساعدة دول المنطقة نفسها ومنها دول عربية مع الأسف ، فيما يعرف بالفوضى الخلاقة التي تبناها رامسفيلد أو تقسيم الشرق الأوسط مجدداً لصالح إسرائيل كما هو مشروع جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي الحالي وروبرت غيتس وزير دفاع بوش وأوباما ..!!
هي إذن كما يبدو ستكون حكاية كحكاية : إنما أكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض ..!! وغداً لناظره قريب .

من أجل كل ذلك ، تم تنفيذ الإنتخابات العراقية بالشكل التي تمت به ، ولاتزال المشاكل قائمة ولايزال الأسوأ ربما لم يأت بعد .

أما الملاحظة الثانية والخاصة بإنتخابات بلدان أخرى في المنطقة وأوردنا السودان كمثل فقط لتزامن إنتخاباته مع الإنتخابات العراقية .. فإن الخطة كما يبدو تقتضي إخراجها بهذا الشكل لتغذية حالة الفوضى وعدم الإستقرار في المنطقة العربية عموماً تمهيداً لصفحات قادمة من التآمر .. واليكم الأمثلة :

اليمن وتهديدات تفتيته الشمالية الحوثية والجنوبية بالحراك الجنوبي .
البحرين ومطالبة إيران بها .
الكويت والنفوذ الإيراني هناك .
شرق السعودية وأنشطة عملاء التشيع الصفوي .
لبنان وحزب الله الإيراني جنوبه .. ومشاكله المعلقة مع سوريا
الأزمة الفلسطينية وإنقسامها الى شقين : منظمة التحرير في الضفة ، وحماس في غزة .
مشكلة الصحراء الكبرى بين الجزائر والمغرب ، وإضمحلال وإنتهاء الإتحاد المغاربي .
السودان نفسه وإحتمالات تقسيمه الى دولتين جنوبية مسيحية وشمالية مسلمة .
الإحتقان الديني في مصر بين الأقباط والمسلمين وتجدد المشاكل واستمرارها بينهما .
إنحسار النفوذ الليبي عن الدول الأفريقية والذي كان فاعلاً قبل سنوات .
ومشكلة العراق قد أصبحت أوضح مِن أن تُعرّف .

أجندات تنتظر التنفيذ على خارطة الشرق الأوسط الجديد بإسلوب جديد دون الحاجة الى حرب عالمية وإمبراطورية عثمانية ومعاهدة سايكس ـ بيكو جديدة ..!!

وبالعودة وبشكل سريع الى أزمة الإنتخابات العراقية وإتجاه تشكيل الحكومة وفق مبدأ الكتل والإئتلافات ومهما ستكون المحصلة التي ستنتهي اليها .. ومَن سيكون رئيساً للحكومة .. فإن هناك على أرض الواقع ثوابت المحاصصة الطائفية والعرقية والتي ستكون أساس تشكيل الحكومة مهما حاول السياسيون الجدد تجميل صورتها بإطلاق مسميات جديدة عليها تارة حكومة مشاركة وطنية ، وتارة أخرى حكومة وحدة وطنية .. ومصطلحات لاأول لها ولا آخر ..
عمليات ( ميك آب ) ليس إلا :

المجلس الأعلى للثورة الإسلامية قبل وخلال أيام الإحتلال الأولى هو نفسه المجلس الأعلى الإسلامي ، وهو نفسه الآن الإئتلاف الوطني العراقي ، بقياداته وأشخاصه وأهدافه وميليشياته المسلحة ، بدر والمهدي وفرق موت أحمد الجلبي .
حزب الدعوة هو نفسه في حكومة الجعفري وفي حكومة المالكي ، وهو نفسه اليوم تحت يافطة دولة القانون !!
والحال ينطبق على كل التكتلات الأخرى إذا ماأطلقنا عليها التوافق أو الحزب الإسلامي أو أي مسمىً آخر جديد قد تقتضيه المصلحة الأمريكية العليا ..!

          النتيجة سوف لن تخرج عن السيناريوهات المعدة مسبقاً في واشنطن ولندن وتل أبيب .
مشاركة تآمرية لامكان للوطنية العراقية فيها .
والله المستعان .

26/05/10                              
         

No comments:

Post a Comment